في المسِّ واللَّبسِ والسِّحْرِ والجنِّ والشياطين 2

بقلم: حسام الدين عوض
أستكملُ في هذه الحلقةِ ماكنتُ قد بدأتُه في الحلقة السابقةِ ؛ حيثُ وعدتُ القارئَ الكريمَ أن أتَعَرَّضَ لكلِّ لفظٍ يتعلقُ بهذا الموضوعِ مما يُلاكُ في أفواه الناس ولمّا يحققوه ويفقهوه ويدققوا معانيه ، فأقول وبالله التوفيق:
أولاً: المسّ:
سياقُ الآية القرآنية الكريمة التي اقتطعوا منها هذا اللفظ ؛ كان يتحدثُ عن الذين يأكلون الربا ، وكأني بالآية تريد أن تقول : (الذين يأكلون الربا بهم مَسٌ من الجنون لأنهم يقولون: إن البيعَ والربا شئٌ واحد ، ولكنَّ اللهَ تعالى قدْ أَحَلَّ البيعَ وحَرَّم الربا)
وقد جاء في القرآن العظيم على لسان نبي الله أيوب -عليه السلام-: “وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ” (سورة ص : آية 41) فلو قالوا إن المَسَّ هو الولوج للجسد ، فلازم قولهم هذا أن ينسبوا لنبيٍ من أنبياءِ الله تعالى ولوج الشيطان في جسده وسيطرتَه عليه ، وحاشاه!
هذا وقد أجمع المفسرون أن هذا الحال يحصلُ للمرابين يومَ القيامة ، وإلا فهم في الدنيا كما ذكرَ الشيخُ محمد الغزالي -رحمه الله- يتمتعون بالمال الحرام ويتصدرون المجالس ، ويقودون أكبر المصارف والبنوك والمؤسسات!
وليس للشيطان على الإنسان سلطانٌ أكبر من الوسوسة ، قال تعالى: “وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم” (سورة إبراهيم : الآية 22)
ثانياً: اللّبس:
لم يرد في القرآن العظيم ثم في السنة الصحيحة دليلٌ قطعيٌ واحدٌ يشير إلى ولوج الجنِّ أو الشياطين في أجساد بني آدم! ومن ثمّ التحكم فيهم ، والتكلم بأصواتهم! وفي هذا مخالفةٌ واضحةٌ للشريعة التي قامت على اكتمال إرادةِ المكلَّف ، فمتى كان مسلوب الإرادة ، سقط عنه التكليف. ولو جاز ذلك ، لجاز لكل مجرمٍ أن يزعمَ أنَّ جِنِّياً فاسداً أو شيطاناً أثيماً قد تلبَّسَه في أثناء ارتكابِ جريمته ، فلم يعد في تلك اللحظة مسئولاً عن جسمه! إذْ المسئول هو ذلك الجنِّيُّ الذي لن نجد له أثراً أبداً ، فتضيع الحقوق ، وتسقطُ عن المجرمين القرائن ، وحاشا لله تعالى ولشريعته أن تشتملَ على مثلِ ذلك الإعياء السخيف ، والمنطق المتهافت.
ولم يرد أن رسول الله أو أحد أصحابه وآل بيته قد ضرب ملبوساً مثل هذا الضربِ المُبَرِّحِ الذي ابتدَعَهُ أولئك الأفاكون الذين يزعمون العلاج بالقرآن لإخراج الجنِّ من أجساد الناس! وحاشا القرآن الكريم الذي صَحَّحَ العقائدَ ، وزكَّى الأنفسَ ، وحَضَّ على مكارمِ الأخلاقِ أن يدعُوَ لإيذاءِ مريضٍ على ذلك النحو المهووس الذي يفعلونه ، فإن قال قائلهم: إنَّ الضربَ هنا يكونُ للجنِّ وليس للإنسان! فيقال له: كذبت فهذا المضروب جسدُه هو لاجسدُ الجنيّ! وإن كانَ الجِنُّ قد تَلَبَّسَ جسَدَه وسيطرَ عليه كما تزعم ، ثمَّ تكلَّمَ مستخدماً لسانَهُ وأحْبَالَهُ الصوتية ، وأنت ترى وتسمعُ صوتاً لايمتنعُ صدوره منه ، فإن قلت: بل هو صوتُ الجنيّ لاصوتُه إذْ يمتنِعُ صدور مثل هذا الصوت منه ، فقد أسقطت دعواكَ كلَّها حين أثبتَّ الشئ ونقيضَه معه ، والمتناقضاتُ لاتجتمع!
وأمَّا حديث: (فتفل في فيه ، وقال : اخرج عدو الله ! أنا رسول الله) فهو حديثٌ منقطعٌ ، وفي العموم فلم يصحّ في هذا الباب شئ ، فكيف بمن يجعلون من هذا الأمر ديناً ؟! وينشرون الإعلانات المتلفزة وحجَّتُهُم به وفيه داحضة!
وأما حديثُ عثمان ابن العاص ، والذي فيه أن الرسول ضربَ صدرَهُ ثلاثاً لأنّ القرآن كان يتفلَّتُ منه وقال: “إنَّمَا ذلك الشيطانُ” ، فليس فيه دلالةٌ واحدةٌ على مازعمواً ، فإنساءُ الشيطان ماحفظه الصحابيُّ من القرآن إنما كان بفعل وسوسته في صدرِ الصحابيِّ ليس وجوداً حسياً ، وقد كانَ إخراجُ وساوسه من صدره كرامةً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فمن زعم أنَّ مثل هذه الكرامة قد حيزَتْ له فقد وقَعَ في مَغَبَّةِ تزكيةِ النفس والعياذ بالله
وأمّا استدلالُ أحدِهم بقوله تعالى: (الذي يوسوس في صدور الناس) فقالوا: مالذي يجعله يوسوس في صدرك؟ أليس لتمكنه منك ودخوله في جسمك؟ (انتهى كلامهم) فهذا والله مما تضحكُ منه الثكلى! وإشكالهم أنهم ينكرون المجاز في القرآن! ويردُّ على قولهم قولهُ تعالى: “وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ” (سورة ق : الآية 16)
وقد فهمَ أشباهُهُم أنَّ قولَهُ صلى الله عليه وسلم: “إنّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم” محمولٌ على الحقيقة! أي أن الشيطانَ موجودٌ في أجسادِنا ، وهذا أدلَّ على نقيض دعواهُم لأنّ لازِمَ قولهم أن الشيطانَ موجودٌ في جسدِ كل إنسان ، وليس في جسد الملبوس فقط! فلماذا يريدون -إذن- إخرَاجَهُ منه؟
ثالثاً: الرَّبْط:
حالةٌ مرضيةٌ تحصلُ للمتزوجين وخاصة الذكور ، وقد تكون راجعةً لأسبابٍ نفسية محضة ، فعندها ينبغي مراجعة اختصاصي الامراض النفسية والعصبية ، وقد يكون سببها عضوياً كالعجز الجنسي لدى الرجال (العنَّـة) الناتجة عن بعض الامراض المزمنة كالسكري ونحوه ، وكبعض الإشكالات الطبية التي تواجه العذراوات في أول أيام الزواج
وعندها فينبغي مراجعة الطبيب المختص بدلاً من الضَّحِكِ على عقولِ الناسِ والمتاجرة بأوجاعهم وآلامهم باسم الدين ، وأما الأورادُ الموجودة على صفحات الانترنت ، والتي تخصِّصُ بعض الآيات القرآنية الكريمة وتطالبُ المربوطَ –بزعمهم- بملازمتها عدداً معيناً من المرات ، فتلك بدعٌ لم يرد بها نصٌ شرعيٌ واحد ، ولاتعدو أن تكون اجتهاداتٍ أرى أنّ دورها في تغييب العقول عن حقيقة المرض النفسي أو العضوي أفدحُ وأطمّ.
رابعاً: السِّحْر:
لغةً: هو الشئ الخفيّ اللطيف ، واصطلاحاً: هو الإيهام والإيحاء والتخييل بوقوع أشياء ليست واقعة! وأحداث لم تحدث! وجوهرُهُ لدى بعض الفقهاء: الاعتمادُ على القوَىَ الشيطانية ، وتسخيرُ الجانّ بما لهم من خوارق العادات!
والحقُّ الذي أدينُ اللهَ تعالى به: أن شيئاً من هذا الذي ظنُّوهُ لم يرد به نصٌ قاطعُ الدلالةِ في القرآن الكريم ، ولم يثبت ثبوتاً قطعياً في السنة الصحيحة.
بل قال تعالى عن السحرِ الذي جاءَ به سَحَرَةُ فرعون: “فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ” ، وهو مايؤكد أنَّ السحر العظيم الذي سحروا به أعين الناس واسترهبوهم ، لم يستطيعوا به تغيير الطبائع المادية للحبال والعِصِيّ!
وإنما ألقوا ذلك الإيهام والتخييل في خواطر المشاهدين ولهذا خرَّوا ساجدين لأنَّ عصا موسى -عليه السلام- قد استحالت حيةً حقيقية ، قال تعالى: “وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا ۖ إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ۖ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ” (سورة طه : الآية 69)
وقد قال تعالى في آيةٍ سابقةٍ لهذه الآية ومن نفس السورة : “فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ” (سورة طه : الآية 20) فانظر -رحمني الله وإياك- إلى الفرق بين القدرة الإلهية التي تغيِّرُ طبائعَ الأشياء ، وبين كيد الساحر الذي لايملكُ أكثر من الإيهامِ المكذوب الباطل.
وأمَّا من يظنُّ أنَّ السحرَ يغيِّرُ الخصائصَ المادِّيَة للأشياء ، فهو يفهمُ الأمور بنظير فهم فرعون حين قال للسحرة: (إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ) !! فقد خيَّل له جهلُه وضلالُه أن سِحْرَ موسَى أكبرُ من سِحْرِهِم لأنَّ عصاهُ أكلت عصيَانَهُم.
قال المعارض: فماذا عن تسخير الجنِّ لسليمان كما ذكره القرآن؟ وماذا عن بعض أهل الكتاب ممن اتبعوا ماتتلو الشياطينُ على ملكه فتعلموا منهم السحر ومايفرِّقُونَ به بين المرء وزوجه؟
والجواب: أنّ تسخيرَ الجنِّ كان مخصوصاً بنبي الله سليمان حيث دعا اللهَ قائلاً: “رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي” ، وأما تعلُّم السحر من الشياطين بكيفية لم يخبرنا بها القرآن ، فغايةُ مايُقالُ فيه أنَّهُ لايضرُّ أحداً استقلالاً ؛ قال تعالى:”وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ” بل هو يضرُّهم هم أنفُسُهُم قبل غيرهم ؛ قال تعالى:”ويَتَعَلَّمُونَ مايَضُرُّهُمْ ولايَنْفَعُهُمْ” كما قرَّرَه القرآن الكريم (سورة البقرة : الآية 102).
خامساً: الأعمال:
هذا لفظٌ حادثٌ مبتَدَعٌ لم يردْ مرةً واحدةً في الكتاب أو السنة ، والحقُّ أنه من الأضاليل والأوهام والتخرصات التي تناقلها الناسُ ظناً ، وإن الظنَّ لايغني من الحق شيئاً.
سادساً: الحَسَد:
هو تمنِّي زوال نعْمَةِ المحسود ، وهو حقٌ ؛ بمعنى أنه يقعُ من كثيرين لكثيرين ، فكلُّ ذي نعمةٍ محسود كما في الحديث الشريف ، وهو سلوكٌ مرضيٌ لايحصلُ من صاحب قلبٍ سليم ؛ وإنما من ذي فطرةٍ منكوسة!
هذا والمسلمُ لايَحسِدُ ؛ بل يتمنَّى الخيرَ لنفسه وللناس ، وفي هذا معنى “الغبطة” التي هي تمنِّي أن يرزقَكَ اللهُ بمثل النعمةِ التي عندَ غيرِك دون تمنِّي زوالها عنهم.
فهل الحسدُ يضُرُّ المحسود ؟
القائلون بمثل هذا كثيرٌ من علماء الإسلام ، وعند التحقيق يتبينُ أنَّ أكثرَ هذه الأقوال قد أفرزتها موروثاتٌ ثقافيةٌ وبيئيةٌ ومجتمعية تسببت في وقوعِ الخلطِ بين ماهو شَرعِيٌ وماهو عَادَاتِيٌ تمَّ إلباسُهُ زِيَّ الشرع.
والحقُّ الذي أدينُ اللهَ تعالى به أنَّ الحسدَ لايضرُّ المحسودَ استقلالاً ، وإنَّمَا يَقَعُ ضَرَرُه على الحاسدِ ، فيعيشُ في حالةٍ من السَّخَطِ والضيقِ والتأفُّف وقد يصلُ به الأمرُ لحدِّ أن يمْكُرَ بالمحسود ، ويلتمس الأسبابَ المادية لإزالة النعمة عنه كما فعلَ إخوةُ يوسفَ -عليه السلام- حين ألقوه في البئر
ولو كانَ الحسدُ يضرُّ استقلالاً لمَرِضَ يوسفُ من تلقاءِ نفسه أو لربُّما مات ، لكنَّ القرآن العظيمَ يخبرُنا بوقوع نقيض ذلك! فقد مكَّن اللهُ له في الأرضِ حتى وصلَ إلى ملك مصر ، ثم سجدَ بعضُ حُسَّادِه لهُ تكريماً وتوقيراً.
ولهذا قال ربُّنا تبارك وتعالى: “ومن شَرِّ حاسدٍ إذا حسد” ولم يقل: “ومن شر حسده”! فالشرُّ يحصُلُ من الحاسدِ حين يشرَعُ في إيذاء المحسود ولو بشطر كلمة. قال الإمامُ القرطُبيُّ في تفسيره “الجامع لأحكام القرآن”: (قلت: قال العلماء: الحاسد لا يضر إلا إذا ظهر حسده بفعل أو قول ، وذلك بأن يحمله الحسد على إيقاع الشر بالمحسود ، فيتبع مساوئه ، ويطلب عثراته) انتهى
أمَّا دعوَى البعض أنَّ مجردَ التمني يضرُّ المحسود ، ففي ذلك افتئاتٌ على قوانين الطبيعة التي وضعها الخالقُ سبحانه للكون ولجميع المخلوقات ، كما ذكرتُ ذلك في الجزء الأول من هذا الموضوع ، فراجعه غير مأمور!
سابعاً: العَيْن:
يظنُّ بعضُهم أن لأعينِ بعض الناسِ قُدرَةً خَارِقَةً على إيقاعٍ ضررٍ في الغير! حيث تتسربُ منها إشعاعاتٌ ضارةٌ لاتُرى بالعين المجردة فتضربُ كالسهم في كبِدِ المحسود!
ومثل هذه التصورات الخرافية الجزافية ليسَ عليها دليلٌ قطعيٌ واحدٌ من القرآن الكريم أو السنة المشرفة ، وليست أكثر من موروثاتٍ ثقافية أسطورية ، توارثها هؤلاء بغير أثارةٍ من علمٍ ولا هدىً ولا كتابٍ منير. وقد حاولوا التدليل عليها بما طلبه نبيُّ الله يعقوب –عليه السلام- حين سأل أبناءه أن يدخلوا على يوسُفَ منْ أبوَابٍ مُتَفَرِّقَة ، ومستندُهُم هذا أدلَّ على نقيضِ دعواهم لأنهم ينسبون للكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف –عليه السلام- أنَّهُ يحسدُ إخوانه! والحقُّ نقيض ماتوهموه!
ثامناً: القَرين:
ذكر ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ليس منكم أحد إلا ومعه قرين من الجن ، فقالوا : وإياك يا رسول الله ، قال : وإياي ولكنَّ الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير”
ومن هذا الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه ، يتبين لنا أن القرينَ هو الشيطان الموكَّلُ بكل إنسان ، وأنه لايملكُ أكثر من الوسوسة بغية إغواء الإنسانِ وإضلاله وتزيين المنكر له!
تاسعاً: الجـنّ:
هم خلقٌ من خَلْقِ الله ، لانعلمُ عنهم سوى ما أخبرنا به القرآن العظيم ، فموضوع الجنِّ بقضِّه وقَضِيضِهِ موضوعٌ إخباريّ ، لاعقليٌّ ولا حسيٌّ ولا استنباطيّ
وقد أخبرنا ربُّ العالمين أنهم يروننا وأننا لانراهم! وأنهم سمعوا القرآن الكريم فآمن به بعضهم ، وأنَّ منهم الصالحون ومنهم دون ذلك.
أمّا تلك الفكرةُ الذهنيةُ التي احتلَّتْ عقولَ وأفئدة أكثر الناس من أنّ الله تعالى قد أعطى الجنَّ قوةً جبَّارة ، وأنهم يعلمون الغيب ، وينفذون من الثقوب ، ويتحركون بسرعاتٍ فائقة ، فكلُّ هذا من الخرافات الكارتونية التي ليس عليها دليلٌ شرعيٌ واحد!
ويقابلُ هؤلاء : الماديون الذين أنكروا وجودَ الجنِّ مُطلقاً لمجرَّدِ أنهم لم يدركوهم بوسائل الحسِّ! ولو أنصفوا أنفسَهم لعلموا أنَّ الحسَّ ليس وحدَهُ دليلاً على وجود المحسوس أو عدميته ، فالروحُ التي في أجسادهم تشهدُ على فساد مذهبهم ، قال تعالى: “وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا” (سورة الإسراء : الآية 85)
والذي يعنينا في هذا الباب أن الإنسان لن ينتفع من لواذه بالجنِّ بل إنه يزدادُ به قلقاً واضطراباً ومرضاً وخوفاً ، قال تعالى: “وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا” (سورة الجن : الآية 6)
عاشراً: الشياطين:
هم مَرَدَةُ الجنِّ ، وهم المبعدون المطرودون من رحمة الله ، وهم أعدى أعداء بني آدم ، إلا أن سلطانهم علينا لايتخطِّى الوسوسة التي هي نوعٌ من أنواعِ التخاطر النفسي ، وقد وصف الله الشيطان بالخنَّاس ، أي: الذي يهرول فيختفي ويستتر إذا ذكرَ الإنسانُ ربَّه تبارك وتعالى
وأهمُّ ماينبغي على المؤمن أن يعلمه في هذا الباب ، قول الله تعالى : “وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ” (سورة فصِّلت : الآية 36) وقوله تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ” (سورة الأعراف : الآية 201)
فضلاً عن قوله تعالى:”إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ” (سورة الحجر : الآية 42) ، وقوله تعالى : “وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ” (سورة البقرة : الآية 102) صدق الله العظيم.
تلكَ عَشَرَةٌ كامِلَة!