القتال في الإسلام بين المتطرف واللاديني!

بقلم : حسام الدين عوض
أبدأُ هذا الموضوع الهام بتقرير حقيقة قرآنية جاءت في آيةٍ محكمة ، تجعلني أقول بكل اطمئنان وثقة: إنّ الجهاد في الإسلام دِفاعيٌ لاهجومي ، وأننا نحنُ المسلمين لانبادئ بالقتال أحداً أبداً ، فإنما كُتِبَ علينا القتال لرد الاعتداء لا لبدأه ؛ قال تعالى: “وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ” (البقرة : 190)
ومن ظنَّ أنَّ انتشار الإسلام في أقطار الأرض إنما كان ثمرة من ثمرات الجهاد ، فقد أساء الفهم والتأويل ، فأكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان (إندونيسيا) لم تصل إليها جيوش المسلمين أصلاً !
ومع هذا ، فإذا توقعنا من طواغيت الأرض وجبَّاريها أن يمنحوا المسلمين حق نشر الإسلام ، طالما بسط المسلمون أيديهم إليهم بالسلام ، فذلك خيال رومانسي ساذج! لأنَّ من خصائص الإسلام أن يسلب الطغاة امتيازاتهم لأنه لايتصالح مع الفاسدين ، ولايمنح البعض ميزات تتعلق بلونهم أو جنسهم أو قبيلتهم ، سوف ينسجون المؤامرات ، ويحيكون المخططات ، ويشنون الغارة تلو الغارة ، حتى يتخلصوا من الإسلام الذي يهدد عروشهم وكروشهم! فإن عجزوا ، لجأوا إلى حمل المسلمين على إسلام أليف مأمون الجانب! لاينتصر لضعيف ، ولايكسر شوكة ظالم! ومن المعلوم أن المسلمين الأوائل كانوا مأمورين بكفّ الأيدي ، ولم يكتب عليهم القتال إلا في مرحلة متأخرة من عمر الدعوة الإسلامية ؛ قال تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ، الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ) (الحج 39 ، 40) وهو مايقطع بأن فرض القتال على المسلمين كان رداً وليس ابتداءاً ، لأنّ خصومهم حرصوا على استئصال شأفتهم ، وكانوا هم البادئ بالتحريض عليهم ، لأنهم رأوا في الإسلام تهديداً مباشراً لمصالحهم ، وانقلاباً كاملاً على قيمهم وموروثاتهم.
ومن عجيب سخرية القدر ، أن تجد اللادينيين مع متطرفي الإسلاميين وقد اختلفوا في كل شئ ، بيد أنَّهم اتفقوا على نسبة العنف للإسلام ، حين ظنوا أن القرآن العظيم يحضُّ على قتال الناس لبسط سلطان الإسلام ونفوذ المسلمين على الأرض! وليكون الدين كله لله! قالوا : إنَّ في هذا تحقيقاً للآية القرآنية : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)!
والجواب على هذا من وجوه:
أولاً : القتل
1. ساوى القرآنُ الكريم بين دماء جميع الناس ، وجعل قتل النفس البشرية مساوياً لقتل الناس جميعاً أياً كان اعتقادُ صاحبها أو جنسه أو لونه ؛ قال تعالى: (مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) المائدة : 32
2. ربط القرآنُ -ومنذ بدء الخليقة- بين الخوف من الله تعالى وبين الإقدام على قتل النفس : (لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) المائدة : 28
3. أكَّد القرآنُ أن قتل النفس كبيرةٌ من الكبائر التي يستحقُّ فاعلها الخلود في النار : (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا () يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا) الفرقان : 68 – 69
4. نهى القرآنُ نهياً صريحاً عن قتل النفس البشرية ظلماً وعدواناً مهما كانت ملة صاحبها وأياً يكن دينه : (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا) الإسراء : 33
ثانياً : القتال!
1. القتال والمقاتلة في اللغة صيغة مفاعلة ، وهي حصول الفعل من جانبين ، وإذا أسندت المفاعلة إلى أحد فاعليها فالمقصود أنه هو المبتدئ بالفعل ، وقد قيّد القرآنُ أمر المسلمين بالقتال في آية البقرة بقوله (وقاتلوا) بمبادءة غيرنا لنا به (الذين يقاتلونكم) ؛ قال العلّامة الطاهر بن عاشور في كتابه التحرير والتنوير : “فلزم أن يكون المراد دافعوا الذين يبتدئونكم” ، وكان قد قال قبلها بسطور : “وعن ابن عباس وعمر بن عبد العزيز ومجاهد أن هاته الآية محكمة لم تنسخ” أ.هـ
2. كما نصّ القرآنُ الكريم على أن دفع الاعتداء عن المستضعفين هو النوعُ الثاني من أنواع القتال في سبيل الله : (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا) النساء : 75
3. وقرّر القرآنُ حرص الله تعالى على إنهاء الحروب وإطفاء نيرانها ، فلولا حراسةُ الدين وحمايةُ حقِّ المؤمنين في اختيار عقيدتهم دون إكراه لما كُتب القتالُ على المسلمين أبداً : (كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ) المائدة 64 ، (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) البقرة 256 ، (ن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) الأنفال 61
4. ونجدُ النصَّ القرآني يشيرُ بوضوحٍ إلى الفتنة ، وهي محاولة الكفار ردّ المؤمنين عن دينهم بفتنتهم فيه ، فلزم قتالهم حماية لحق المسلمين في حريتهم الدينية ودفعاً لأذى غيرهم من إجبارهم على تركه خوفاً على حياتهم : (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) البقرة : 193
ثالثاً : معنى “ليظهره على الدين كله”!
1. قال العلامة الطاهر بن عاشور في كتابه “التحرير والتنوير” : “وتعليل ذلك بقوله ليظهره على الدين كله إعلام بأن الله أراد ظهور هذا الدين وانتشاره كيلا يطمعوا أن يناله ما نال دين عيسى عليه السلام من القمع والخفت في أول أمره واستمر زمانا طويلا حتى تنصر قسطنطين سلطان الروم” ، ثم قال : “وإظهار أهله على أهل الأديان بنصر أهله على الذين يشاقونهم في مدة ظهوره حتى يتم أمره ويستغني عمن ينصره.” أ.هـ
2. وهذا يوضِّحُ المراد من ظهور أهل الإسلام على غيرهم من المعتدين عليهم السالبين لحقهم في اعتناق دينهم ، فوعد اللهُ تعالى بنصرهم على هؤلاء الخصوم ، بخلاف مافهم المتأول الغالط المغالط من أنَّ المراد حملُ الناس جميعاً على الخضوع للإسلام والتسليم به والانقياد لأهله!
قال المعارض اللاديني: فماذا تقول فيما جاء في القرآن : “وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ” هاهو النصُّ يأمر بالقتل لا بالقتال!
ثم ماذا عن الآية الأخرى التي تدعو لقتال أهل الكتاب جميعاً : “قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ” قاله المعارض اللاديني وشاركه في استدلاله هذا المتطرف الديني!
والجواب على هذا كالتالي:
1. أمّا الآية الأولى فلفظها واضحٌ أنه في ردّ العدوان ، (وأخرجوهم من حيث أخرجوكم) فمن الذي بدأ بإخراج من؟ هم المشركون الذي عذبوا المسلمين الأوائل وأجبروهم بالقسر والقهر على ترك مكة ، وأخرجوهم من ديارهم وأموالهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله
2. وأمّا الآية الثانية فموقفنا من غير المسلم لاعلاقة له -البتة- باعتقاده ، فلا إكراه في الدين ، وإنما يتأسس موقفنا منه ، إن هو بادر المسلمين بالقتال في الدين (أقول في الدين لأن بعض قتالهم لنا قد يكون لعلة أخرى ، كمصلحة دنيوية ، أو منفعة مادية زائلة) ، فإذا طبقنا هذه القاعدة القرآنية المحكمة على آيات سورة التوبة ، وفهمنا السورة نفسها في ظل السياق التاريخي الذي نزلت فيه آياتها لعرفنا المراد من قوله تعالى: (قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ) .. فالآيات لاتحض على قتال كل كتابيّ كما توهمه بعض من لم يتحرّ العلم! بل على قتال صنف معين من الكتابيين هم الروم الذين بادءوا المسلمين بالاعتداء وبإشعال نار الحرب وقد ذكر الله صفتهم في قوله تعالى (وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ) والمراد : (فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ) بالنسيء ، أي بالقتال في الأشهر الحرم!
فقد قُتِلَ سفير رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ـ الحارث بن عمير الأزدي ، على يدي شُرَحْبِيل بن عمرو الغساني حينما كان يحمل رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى عظيم بُصْرَي ، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم سرية زيد بن حارثة التي اصطدمت بالروم اصطداماً عنيفاً في مؤتة (سنة 8 هجرية) ، وقام لروم بتجهيز الجيوش لغزو المدينة بمشاركة حلفائهم من الغساسنة وكانت الأنباء تترامي إلى المدينة بإعداد الروم للقيام بغزوة حاسمة ضد المسلمين حتى كان الخوف يتسورهم كل حين ، لا يسمعون صوتاً غير معتاد إلا ويظنونه زحف الروم ، فجاء الأمر بقتالهم وكانت غزوة تبوك (سنة 9 هجرية). وإلا فكيف يتوهم مسلم فضلاً عن كافر أن الإسلام يأمر بقتال كل كتابي؟؟ وهو يجيز للمسلم الزواج من الكتابية ، بل ويندب إلى البر والإحسان بمن لم يقاتل المسلمين في دينهم منهم ؛ قال تعالى: (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الممتحنة : 8 ، وسياق الآيات الكريمة يذكر الذين لايؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ، فهل أهل الكتاب لاؤمنون بالله ولا باليوم الآخر؟
قال المتطرف الديني: فماذا تقول إذن فيما كتبه الشهيد سيد قطب في كتابه “معالم في الطريق” نقلاً عن الإمام ابن القيم الجوزية من كتابه زاد المعاد ، حيث قال: “فأمر أن يقاتل عدوه من أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية أو يدخلوا في الإسلام. وأمره فيها بجهاد الكفار والمنافقين والغلظة عليهم. فجاهد الكفار بالسيف والسنان، والمنافقين بالحجة واللسان. وأمره فيها بالبراءة من عهود الكفار ونبذ عهودهم إليهم.. وجعل أهل العهد في ذلك ثلاثة أقسام: قسما أمره بقتالهم وهم الذين نقضوا عهده ولم يستقيموا له، فحاربهم وظهر عليهم. وقسما لهم عهد موقت لم ينقضوه ولم يظاهروا عليه، فأمره أن يتم لهم عهدهم إلى مدتهم. وقسما لم يكن لهم عهد ولم يحاربوه، أو كان لهم عهد مطلق، فأمر أن يؤجلهم أربعة أشهر; فإذا انسلخت قاتلهم”
والجواب عليه مايلي:
1. هذا اجتزاء من السياق ، وسياق الآيات قبلها يبيِّنُ المراد ولاحجة عندها بكلام ابن القيم أو غيره ، فأقوال الرجال يحتجُّ لها ولايُحتجُّ بها ، فإنما الحجة قال الله قال رسول الله
2. الآيات التي قبلها من سورة براءة تبيّنُ الأمر بكل وضوح : “بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ” ثم يأتي قوله تعالى: “إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا” فكأنَّ التقدير: (قاتلوا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ إِلَّا الَّذِينَ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا) فكأنما هم بنقضهم العهد والميثاق قد افتتحوا معكم الحرب! لأن الحرب لاتكون بتحريك الجيش فقط
3. ثم إنَّ من سماحة الإسلام ورحمته بهم أنه : أ. أعلمهم قبل قتالهم ولم يقاتلهم بغتة ، ب. منحهم مهلة مناسبة للفرار وترك النزال (أربعة أشهر) ، ج. أجاز إجارتهم متى طلبوها (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) ، د. قبل منهم دخول الإسلام طوعا (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ)
4. والخلاصة إذن أنَّ الآية تأمرُ بقتل معتدين لا مسالمين ، وذلك من أجل اعتدائهم بنكث عهودهم لا من أجل شركهم أو عدم إسلامهم ، ولكنها تقبل ممن يريد منهم الإسلام أن يسلم.
قال المعارضان المتعارضان .. فماذا عن آية: “وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ”؟
والجواب عليهما مايلي (نقلاً عن الصديق محمد الهندي في مناظرة له على فيسبوك) :
1. لا أعرف كيف تقرأ أول الآية ولا تقرأ آخرها، (فإن انتهوا). فالآية عن قتال قوم بدأوا بالقتال وغاية القتال أن ينتهوا عن الاعتداء، وقد ذكرت آية سورة البقرة تذييلاً آخر يؤكد ذلك وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) فالآية تشرع العدوان (الهجوم) على الظالمين فإن انتهوا انتهى الهجوم
2. الفتنة لا علاقة لها من قريب أو بعيد بكلمة شرك ، ودونك جميع المعاجم، وجميع آيات القرآن
3. الفتنة في القرآن تأتي بمعنى العذاب ومعنى الاختبار ومعنى الإضلال
أ. مثل: .. جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ.. (10) العنكبوت
ب. يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14) الذاريات
ج. .. هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا.. (110) النحل
د. وقد عددت 25 موضعا في القرآن من أصل 60 موضعا أتت فيه بمعنى العذاب/الاضطهاد/الضرر
هـ. والباقي بمعنى الاختبار ومعنى الخداع/الإضلال
4. فمعنى (حتى لا تكون فتنة) أي حتى لا يكون عذاب واضطهاد منهم لكم، أي قاتلوهم لئلا يكون اضطهاد من أجل الدين
5. وتعذيب المسلمين المتكرر لأجل دينهم هو أكبر من قتل بعضهم في القتال للدفاع عن أنفسهم فهذا قوله (والفتنة أشد/أكبر من القتل)
6. يكون الدين لله، هي نفس قولنا الحديث: الوطن للجميع والدين لله
7. أي دين كل شخص مسلما كان أو غير مسلم خالصا لله، لا علاقة لأحد به، لا يكره أحد الآخر على دينه.
وأخيراً وليس آخراً .. قال المعارضان أيضاً : وماذا عن آية “يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123) التوبة
والجواب كالتالي (نقلاً عن الصديق محمد الهندي من نفس المناظرة)
1. معنى (يلونكم) أي يقربون أنفسهم منكم بالهجوم أي أثناء الحرب لا شك، كقوله (إذا لقيتم الذين كفروا) أي في الحرب.
2. فكلمة (يلي) وكلمة (يلقى) لها استخدام خاص دال على الحرب يعرف بالسياق
مثل قول عمرو بن كلثوم في معلقته:
وَقَدْ هَرَّتْ كِلاَبُ الحَيِّ مِنَّـا … وَشَـذَّبْنَا قَتَـادَةَ مَنْ يَلِيْنَـا
أي من يلينا من الأعداء في الحرب
3. وفي البداية والنهاية لابن كثير (ج4 / ص155) من قول حسّان بن ثابت:
كنا ثمانية وكانوا جحفلا … لجبا فشكوا بالرماح بداد
كنا من القوم الذين يلونهم … ويقدمون عنان كل جواد
الذين يلونهم أي يتتبعونهم هجوما عليهم
ز. لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61) الأحزاب
1. الإرجاف هو نشر الإشاعات، وتهدد الإشاعات النظام العام خاصة في أوقات الحروب، وفي آية أخرى: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83) النساء
2. والآية تهديد للمروجين للإشاعات، أن يعاقبوا على فسادهم في الأرض بالنفي (الطرد): (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا)
3. أمّا الآية التي بعدها فليس فيها أمر للمسلمين بقتلهم، بل فيها حالة هؤلاء المنافقين بعد طردهم هي حالة الملعون من جميع الناس، فالنفاق لا أحد يتحمّله
4. فلم تسند الآية فعل القتل للمؤمنين، بل أسندته لمجهول بعد طردهم.
5. لقد ذكر القرآن كيفية التعامل مع المنافقين بأدق التفاصيل في آيات سأتناولها في النقطة التالية، فلا تترك الآيات المحكمات لآيات متشابهات
ك. فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (88) وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (89) إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (90) سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (91) النساء
1. فالقرآن قسّم المنافقين لفئتين
2. فئة تعتزل قتال المسلمين وألقوا السلم وكفوا أيديهم فهؤلاء ليس لنا عليهم سبيل أي لا نقاتلهم
3. وفئة مضادة لم يعتزلوا قتالنا ولا أرادوا السلام وكف الأيدي، فهؤلاء نقتلهم حيث ثقفناهم
4. أبعد هذا الوضوح التام، يقال أن الإسلام يقاتل غير المعتدين؟