أدب و ثقافةروايات و قصصقصة قصيرة

الغفران

هناء مطر

داخل غرفة بسرير حديدي مطلي بالأبيض ودولاب حديدي وكرسي ومنضدة ونافذة تطل على حديقة هادئة،
تنام هي على سريرها ،معلق بيديها محاليل وبجوارها أجهزة طبية لقياس ضغط الدم وجهاز رسم القلب ومتابعة نبضاته،
وجهها شاحب.. ورغم ذلك شعرت برغبة عارمة في أن تكتب له..
فكت يديها واتكأت على عكازها حتى وصلت إلى المنضدة وجلست على الكرسي، أحضرت قلمًا وورقة بيضاء وكتبت في منتصف أول سطر رسالة إلى..
لا أعلم كيف أبدأ الحديث معك؟
ولا أعلم ماذا أكتب لك ولمَ؟..
فقط سأجعل ضميري يتحدث معك وإليك..
في بادئ الأمر منذ كنت في سن الثامنة عشر وأنا أشعر بالسعادة عندما يحاول أحدهم الاقتراب مني ويمدح جمالي ويتغزل في مفاتني..
دومًا أشعر أنني ملكة متوجة وباقي الفتيات وصيفات عندي.. الجميع امتدح في عيوني الواسعة ولونها لون السماء الصافية، غمازتي كلما ضحكت انتحرت قلوب الرجال أمامها، قوامي الممشوق وخطواتي وأنا أتمايل أمامهم.. أعشق ذاك الشعور بداخلي و أشعر بأنوثتي الطاغية.. و ذات يوم قابلتك.. رأيتك مختلفًا، لم يجذبك جمال عيوني الساحرة ولا أى شيء سوى كوني مغرورة وأنت تريد أن تكسرني. جذبني عدم اهتمامك، جذبني اسمرار وجهك ولحيتك، مختلفًا تماما فمارست كل أساليب الإغراء عليك؛ كي تقع فريسة لغرور حواء القابع بداخلي.. حاولت مرات ومرات التقرب منك وأحيانًا التحرش بك.. نعم التحرش فأنا لن أجعل رجلًا ينتصر على قلبي ويرفضني.. وخضعت لي ،لكنك تحررت مني فجأة وتزوجت أختي، تركتني ومن بعدها أقسمت أن أنتقم من جميع من هم من نفس جنسك، أصبحت هوايتي إيقاع الفريسة في حبي ثم تركها بلوعة شوقها وحنينها لكلمة مني.
تزوجت وأصبحت أصب جام غضبي على زوجي وطفلتي، طفلتي التي لم أشعر أبدًا بالأمومة نحوها، فهي من تسببت في تغيير ملامح جسدي وأصبحت علامات الزمن ترسم خرائطها على وجهي.. أصبحت أهتم أكثر بمظهري وأذهب إلى صالونات التجميل وأمارس الرياضة كي أستعيد جمالي الذي انطفأ مع ولادتها.. كلما نظرت إليها أبغضها، وكلما تقرب إلي زوجي تذكرتك.. وأحيانًا أتلعثم في اسم زوجي وأذكر اسمك.. أرسلت إليك الكثير والكثير من الرسائل على جميع وسائل الاتصال الإجتماعي”،فيسبوك، وتويتر، وواتس آب” وغيرها.. طاردتك كنمرٍ يطارد فريسته.. حاولت أن أفرق بينك وبين زوجتك مرات ومرات، ولكن دون جدوى.. أرسلت إليها رسائل كاذبة عنك.. أتذكر حينما كنتُ أقفُ معك في مطبخها وخرجت أركض و أبكي حينما رفضت أن تقبلني؟
لقد شاهدتنا وأخبرتها أنك حاولت تقبيلي ولكنها لم تصدقني، فهي تعلم جيدًا أنني منذ صغري كاذبة ولطالما نظرتُ لما هو في يد غيري.. أريد أن أتوب.. أن تغفر لي .. منذ شهور قليلة خضعت لعملية جراحية وأخطأ الطبيب في فتح الورم اللعين الذي ينتشر الآن في جسدي كوحش بداخلي يلتهمني.. أشعر بالذنب.. أشعر بأنك الوحيد الذي سيدعو لي في صلواته ويتذكرني.. حاولت أن أصلح جميع أخطائي، حاولت الاعتذار من الجميع، ولكن مازلت أنت وحدك لا تعلم حقيقة أنني حقًا عشقتك وأطلب الغفران منك. أريدك أن تعلم حينما تصلك رسالتي هذه بأني سأكون قد رحلت عن الدنيا.

#هناء_مطر

اظهر المزيد

نهاد كراره

نهاد كراره محاسبة وكاتبة مصرية صدر لها كتب مشتركة مثل بوح الصحبة و قطرات مطر وكتب فردية نيسان الوجع مدن الفراشات الدمشوري وآخر حدود الحلم نشرة العديد من المقالات علي المواقع الالكترونية المختلفة كموقع قل مقالات اجتماعية وبعض القصائد العمودية والعامية علي المواقع الأخرى صدر لها عدد من القصص في جرائد مختلفة منها صوت الشعب و جريدة القصة وغيرها عضو مجلس إدارة لموقع الصحبة نيوز مدير تنفيذي لدار الصحبة الثقافية للنشررالإلكتروني
زر الذهاب إلى الأعلى