العقيدة و الدين

الصفات الإلهية ، ومفاهيم ينبغي تصحيحها

بقلم : حسام الدين عوض

كنت قد تكلمت عن إفساد الطائفة الوهّابية لعقول المسلمين بما بذروه من بذور التعصب المذهبي ، وبما نشروه من أحكان التصنيف السلطوية ، فضلاً إشغال الناس بالمسائل الخلافية بدلاً من قضاياهم الكبرى ، وقلت إن الدين قد تحوّل على أيديهم من وسيلة هداية إلى محكمة تفتيش لأنهم أساءوا فهم الولاء والبراء ومارسوا العنصرية والانتقائية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
سوف أتكلم في هذا الموضوع عن العقيدة التي تكاد وأنت تسمعُ الوهّابي يتحدث عنها ويتهم غيره من المسلمين بالخلل فيها ، فيتبادرُ إلى ذهنك أنّ أحداً لايعرف العقيدة سواه على خلاف الحق والحقيقة!
لايستطيع الطفل الصغير تمييز الأمور إلا عن طريق إدارك المحسوسات (باستخدام الحواس الخمسة) وبالتالي فمن العسير جداً أن تشرح له ماذا يعني الدين بكلمة خلود! (زمن ليس له نهاية) فضلاً عن أزل! (زمنٌ ليس له بداية) فإذا قلنا له إن الله تعالى أزليٌ أبدي ، فإن الطفل لن يستوعب ذلك لأنه لايستطيع إدراك الموجودات إلا باستخدام حدود الزمان والمكان
إذا سألت طفلاً أين والدك؟
فسوف يجيبك: إنه في دوامه ، من الساعة كذا إلى الساعة كذا ، ثم سيعود إلى المنزل في حدود الساعة كذا وكذا
أمّا لو قلت له: إنَّ ذات الله تعالى لاتشبه الموجودات بوجه من الوجوه (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير) وأنه سبحانه وتعالى كان ولا مكان ، ثم خلق الزمان والمكان وهو الآن على ماعليه كان ، فلم يحلّ في المكان بعد أن أبدعه كما قالت الحلولية والاتحادية ، وليس في كل مكان كما تقول الجهمية ، فلن يفهم شيئاً !
لو قلت له:
إنَّ الله تعالى قد خلق شيئاً اسمه الابتلاء بالخير والشر ، وأنَّ هذا الابتلاء هو علة الخلق (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً) ، وأنَّ الله تعالى قد عرض منح حرية الإرادة على سائر المخلوقات ، فأشفقت من خوض هذا الامتحان العسير ، واختار الإنسان أن يخوضه (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان) بخلاف كلام القدرية والجبرية.
وأنَّ وجود إله عظيم خالق لهذا الكون المعجز في اتساعه ودقته المتناهية حيث تقدر المسافات فيه بدلالة الزمن (السنين الضوئية) ، في مقابل كائنات وأجسام دقيقة متناهية الصغر تقدر أبعادها بـ (أس سالب عشرة) ورغم هذا نجح البشر في تفجير الذرة التي لم يروها أبداً ، ثم في تصوير تفاعلاتٍ كيميائية تحدث في زمن محدود جداً لايتخطى الفمتو ثانية (جزء من مليون مليار جزء من الثانية) (عشرة أس سالب 15)
وأنَّ هذا الوجود الواجب للإله مبذور ومودع داخل فطرة كل إنسان ، وأنَّ الرسالات السماوية كان هدفها بيان مراد الحق من الخلق ، وليس إثبات وجوده (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا) بخلاف كلام الملاحدة والزنادقة واللاأدرية؟
وأنَّ الإنسان حين يمسُّهُ ضُرٌ أو يتعرض لخوف من محسوسٍ أو ربما مجهول ، فإنه يفزع بفطرته هذه نحو قدرة وقوة غير محدودة ، لايستطيع إدراكها بحواسه ولكنه يرى آثارها في نفسه وفي الكون من حوله (لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير)
فلن يفهم شيئاً أيضاً !
فما هو الحلُّ إذن؟ الحلُّ أن تخاطبه على قدر مايستوعبه عقله ، فمادام يرى حجمه أصغر من حجمك ، وهو مايشعره تجاهك بالمهابة ، لأن عقله يقيسُ الأجسام بأحجامها ووفقاً لما تشغله من حيز في الفراغ
فلو سألك عن مكان الله ، لاتقل له : ليس في مكان! قل له وانت مرتاح الضمير: الله في السماء (أنت هنا تقصد أنَّ الله ليس داخل العالم ولا حالاً فيه) وهو معنا بعلمه يعلم سرنا ويسمع نجوانا
ثم حين يكبر وتنضج مفاهيمه لتستوي على عروشها ، حين يعرف الخير والشر (ونفسٍ وما سواها فألهمها فجورها وتقواها) ، حين يرى ويفهم صراعات المصالح و الامتيازات ، حين يعي مشاعر الحب والحقد والحسد والغلّ والغيرة والانتهازية والندالة والكراهية والظلم وقهر الرجال ، حين يرى زميلاً له في المدرسة يريد ضربه من غير سبب! اللهم إلا الرغبة في التسلط وإظهار فارق القوة
ثم حين يرى مدرساً رائعاً يشرح له دروسه في مقابل مدرس آخر يستصغره ويحقر من تفكيره ويتهمه بالغباء لمجرد أنه أخطأ ، حين يتعرف على زميل طيب يحبه ويمنحه التعاطف في مقابل زميل عدواني يسخر منه أو يستهزئ به لأنّ فيه شيئاً مختلفاً ربما عن أقرانه
وبمجرد وصوله إلى سن التكليف الشرعي .. عندها يمكنك أن تشرح له الرزق والخلق ، والحياة والموت ، الوجود والعدم ، الفرق بين الذات والصفات ، مفهوم المكان والزمان ، أنَّ الله سبحانه وتعالى ليس محكوماً بقوانين الحركة والسكون الفيزيائية ، والامتزاج والتجانس الكيميائية ، والثبات والاضطراب النفسية ، والاستقرار والتذبذب الزمكانية ، فضلاً عن الخوف والندم والنوم والاستقرار والاستلقاء والجلوس والخطأ والسهو والنسيان لأنّ هذه كلها صفات نقص ، والله تعالى يتنزه عن كل نقص ، ويتصف بكل كمال
قد يسألني سائل ، وما علاقة كل هذا بالطائفة الوهّابية؟
أقول: علاقته أنهم تعاملوا مع نصوص الشريعة ، ومع المسلمين مثلما أطلب منك أن تتعامل مع طفلك!
لأن محمد ابن عبد الوهاب اعتمد في كل مفاهيمه العقدية على تراث ابن تيمية وابن القيم فقط ، وشطب كل التراث الفكري والعقدي الذي تركه لنا أئمة المسلمين الأعلام ، ممن اعتبرهم متأثرين بالجهمية! فانتشر في الأمة داء التكفير والتصنيف والاتهام بالبدعة والضلالة!
مشكلة محمد ابن عبد الوهاب ، أنه كان رجلاً بدائياً لم تهذِّب أخلاق الإسلام بداوته ، ولم ترقِّق جلافته ، وأنّه كان شخصاً استبدادياً إقصائياً رافضاً لكل ماحوله وحريصاً على فرض رأيه ولو بقوة السلاح ، ووصل به الأمر لدرجة أن يتهم مشايخه أنفسهم أنهم لم يعرفوا الإسلام ولا معنى لا إله إلا الله
وبالتالي ، انتقى من تراث ابن تيمية معاركه وسجالاته مع نفاة الصفات ، فوقع هو في مطب (المبالغة في الإثبات) كما وقع فيه سابقوه من غلاة الحنابلة المشبهة ، وهؤلاء وصفهم الإمام أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي بأنهم شانوا بكلامهم مذهب الإمام أحمد
ليس هذا فحسب ..
بل الأخطر ، أنَّ ابن عبد الوهاب تعامل مع ابن تيمية على أنه وحدة واحدة !! لم تتأثر بمؤثر ، ولم تتفاعل مع واقع! فكان ينقل أقواله مجتزأة ومجردة من ظروفها الزمنية وملابسات واقعها ، ليفرضها هو على واقع آخر ، ولم يدرك إن ابن تيمية نفسه رجع عن بعض أقواله وأفكاره ، وإن خالف جماهير الأمة في بعضها الآخر بسبب لدد الخصومة وعنفوان النزال وشطط السجال الذي لايسلم منه بشر
فوصلت إلينا تصورات خطيرة جداً مفادها أن الله (تعالى عن مثل هذا علواً كبيراً) يتركب من أعضاء وأبعاض ، ويحتاج لأدوات وآلات ، وأنَّه تَحِلُّ به الحوادث ، وأنّ جنس المخلوقات قديمٌ معه ، وأنه يمتنع وجود ذاته إلا إذا أشبهت الموجودات بوجه من الوجوه .. ولاحول ولاقوة إلا بالله العليّ العظيم

اظهر المزيد

حسام الدين عوض

مهندس مصري وكاتب وباحث في الشؤون الإسلامية ، حاصل على بكالريوس الهندسة ، ماجستير إدارة الأعمال ، دبلوم الدراسات العليا في الشريعة الإسلامية
زر الذهاب إلى الأعلى