أدب و ثقافةروايات و قصص

الرحلة…رواية مسلسلة ( الجمعة من كل اسبوع )

ناصر رمضان

ناصر رمضان

يكتب

الرحلة – الحلقة الأولى

يناير 2006

ارتفع رنين هاتف دكتور (زئيف) بنغمة مميزة فالتقطه بلهفة مجيبا المتصل: – هالو حبيبي. كان ينتظر صوت (إريك) صديق عمره كما يدلله، ليُفاجأ بصوت مختلف يقول بتوتر:
• دكتور(زئيف)، أبي فقد وعيه بالمنزل، وأنا الآن في طريقي بسيارة الإسعاف للمشفى، أرجوك توافينا هناك.
قال بقلق:
– جلعاد ماذا حدث، إن موعد الجراحة غدا، فماذا استجد ليفقد أبيك وعيه؟
– لا أدري، كان بصحة جيدة، وفجأة سقط أرضا وهو يكلمني، أرجوك أسرع!
– أنا في المشفى بالفعل يا ولدي.
أنهى المكالمة والتقط سماعة الهاتف الداخلي -طالبا رقم الطوارئ- وقال:
– صديقي (إيرئيل شارون ) في طريقه إليكم،
نعم رئيس الوزراء، جهّزوا غرفة العناية الفائقة.
سأله الطبيب المناوب عن تفاصيل الحالة فأجابه:
لا أدري ما استجد، فغدا كان ميعاد إجراء جراحة له في القلب، والآن هاتفني ابنه أنه فقد الوعي دون مقدمات،
هو يعاني السمنة وارتفاع الكوليسترول، وثقبًا في القلب نتيجة جلطة حدثت له العام الماضي.
جهزوا غرفة العناية الفائقة حتى آتيكم .
وضع السماعة وأنهى بعض الأوراق على عجل، وخرج باتجاه الطوارئ ينتظر
… ……………

أمسك الشاب ذراع دكتور (زئيف) قبل دخوله حجرة العمليات قائلا له:
• أرجوك وضح لي ما الوضع ؟!
حاول طمئنته ثم تركه ودخل لحجرة العمليات، ألقى نظرة على صديق عمره نائما مخدرا. تمتم ببعض الصلوات التي اعتاد أن يرددها كلما شعر أنه في مأزق ما ، وجّه تعليماته للأطباء المعاونين.
غمره العرق وهو يدعو الرب أن يوفقه في إنقاذ ”إريك“ فهو مدين له بحياته الجديدة التي يحياها الآن
ألقي نظرة أخيرة على معاونيه يتأكد أن كل شيء جاهز والتقط المشرط .
………………

بعد ساعات خرج ليجد الشاب يأكله القلق، وقبل أن يسأله بادره هو قائلا:
– نحمد الرب، الجراحة نجحت وهو الآن بخير وسيتم نقله لحجرة الرعاية.

بعد أسبوع كانت المحطات التلفزيونية تنقل مؤتمر صحفي
للطبيب زئيف يتكلم فيه عن الحالة الصحية والطبية العجيبة التي يمر بها صديقه رئيس الوزراء الإسرائيلي
اهتمت كل الصحف ومحطات التلفاز العالمية بتغطية المؤتمر الصحفي لأهمية المريض وشهرته
ومنهم بالطبع أغلب المحطات العربية وإن انقسم النقل العربي للمؤتمر بين ناقل محايد للحدث وبين شامتين كُثّر

***********
على مقهى صغير داخل مول البستان التجاري في باب اللوق بالقاهرة جلس شريف بصحبة خطيبته يرتاحون قليلا بعد جولة تسوق أرهقتهم استعدادا لحفل زفاف تم تأجيله أكثر من مرة.
قالت شاهنده :
ألا توجد طريقة لنتزوج الآن بدلا من الانتظار للإجازة القادمة أخشى أن تكبر بطني وتلاحظها أمي.
رد شريف مهونا عليها الأمر:
يا حبيبتي تعلمين إن إجازتي تنتهي بعد يومان فهل يعقل أن نتمم كل شيء في ثماني وأربعين ساعة ؟
صمتت وهي تنظر له بغم فتابع : بعد ثلاث أسابيع ستكونين زوجتي وفي منزلك فاطمئني .
لم يفلح كلامه في تخفيف توترها وشردت ساهمة تفكر في المصيبة التي تنمو في أحشائها
مد شريف يده ممسكا بيدها محاولا إخراجها من حالتها وتلاقت نظراتهم للحظات كانت كافية لتتبادل العيون الكثير من الرسائل بين خوف ولوم وحب واطمئنان
طمأنينة جعلت شاهنده تبتسم تلك الابتسامة التي تأسره
سحبت يدها وسألته بعد تبدل حالها عن عمله وأين ستكون رحلته القادمة
كانت تلقي سؤالها فقط لتجعله يتكلم عن شغفه الثاني كما يقول
كانت تفتعل الاهتمام والاستماع فقط لتعطيه الفرصة للكلام عن شغفه بالسفر
حكى عن سفرياته السابقة على تلك المركب التجارية وكيف إن عمله كمهندس صيانة لمحركات المركب يجعله لا يهتم بمعرفة أين ستكون الرحلة إنما متى ستنتهي ليعرف موعد عودته فهو لا يغادر المركب منذ صعوده لها وحتى عودتها للميناء .

– وإن كنت أظن رحلتي القادمة ستكون إلى السودان
فارقها الخوف وحل محله الاطمئنان والسكينة عندما لاحظت صمته فرفعت عيناها إليه متسائلة
كانت عيناه معلقتان بطريقة بدت غريبة بشاشة عملاقة تتوسط بهو المول التجاري وعلى الشاشة التي تبث صور بدون صوت كان طبيب ما يتكلم وحوله الكثير من كاميرات التلفزيون
كان كالمسحور تماما وهو ينظر للشاشة
لحظات وقام شريف ببطء من مقعده وسار كالمنوم في اتجاه الشاشة حتى وقف أمامها وعيناه معلقة بالطبيب زئيف الذي كان يتكلم عن حالة صديقه
جرت عينا شريف على الشريط السفلي بحثا عن معلومة
«عنوان أو رقم هاتف » عندما تغيرت الصورة لتحل محلها صورة أخرى للمشفى مصورة من أعلى كالصور الملتقطة من طائرة وتحتها بخط صغير قرأ ( مستشفى جامعة عين كارم )
حفر الأسم في ذاكرته وانتبه لوقوف شاهنده بينه وبين التلفاز متعجبة مما أصابه
حاول أن يرسم ابتسامة هادئة على وجهه يداري بها الإعصار الذي يرجه من داخله لكنه فشل
يرى وجهها أمامه تتكلم ولا يسمع منها حرفا نتيجة طغيان ما يعتمل بداخله من انفعالات صمّت أذنيه
يريد أن يوصلها لمنزلها لينفرد بنفسه بعد تلك المفاجأة،
يريد أن يطلب منها أن تصمت،
أن تنصرف
أن تخرس
يريد أن يحكي مأساته مع هذا الوجه الذي طالعه على الشاشة منذ لحظات ،
تزاحمت الأفكار في رأسه وتزاحمت أيضا الكلمات في حلقة ليكسر بعضها بعضا ولا يجد كلمة تخرج سليمة
هنا وبلا أي تفكير أو نية لفعل شيء وبدون أن يقرر هو وجد نفسه يقدم على أغرب فعل،
تركها واقفة أمام الشاشة تكلمه وتستفسر منه عما أصابه وانصرف، هكذا بمنتهى البساطة تركها واتجه لباب المقهى ليضع نفسه في أول سيارة أجرة تصادفه متوجها لمنزله .

*****************
مر يومان وشريف داخل شقته لم يغادرها منذ تركه لخطيبته بتلك الطريقة العجيبة ولم يرد على مهاتفتها الكثيرة له
كان محبوس داخل نفسه وذكرياته
استرجع شهور السجن التي عاشها منذ سنوات ثلاث في الجزائر
استرجع معاناة أخته في غيبته وهو المسؤول عنها الوحيد المتبقي لها من أسرتهما
تذكر بألم كيف سعت لمساعدته في ورطته للدرجة التي أوصلتها للتفكير في التبرع بكليتها مقابل المال فقط لترسل له المال في محبسه
هكذا كان تفكيرها وهكذا قررت التنفيذ لتقع بسذاجتها في براثن عصابة دولية للتجارة في الأعضاء
لم تكن تدري حينما ذهبت للعيادة الشهيرة في وسط البلد أنها تحيا آخر أيامها
ولولا بعض الصور التي أرسلتها لصديقتها المقربة قبل العملية بيوم واحد لما عرف احد علاقة الطبيب الشهير بموتها ولا بارتباطه بتلك التجارة
زفر بيأس وهو يفتح حاسبه المحمول للمرة العاشرة منذ الصباح ليلقى نظرة على الصور ويتأمل صورة الطبيب في واحدة منها متعجبا من تلاعب القدر به بهذا الشكل
عامان مرا عليه منذ خروجه من السجن وهو دائم البحث عن اسم هذا الطبيب وعنوانه
لم يصل إلا إن اسمه يوسف سونميز
والذي يبدو الآن أنه مخطئ فقد رأه على الشاشات باسم اخر
والعجيب أن يظهر في هذا التوقيت الذي نسي فيه الثأر والانتقام وانشغل بزواجه
والأعجب أن يظهر في تلك الدولة التي من المستحيل عليه مجرد التفكير في الذهاب إليها
وكأنه ظهر ليغيظه أو ليشعره بعجزه
ففي ذهنه وذهن الجميع يرتبط اسم إسرائيل بأمن الدولة والمخابرات والتجسس
لم يكن عنده مشكلة أن يقتل قاتل أخته وبعدها يسلم نفسه للشرطة ؟؟أو يعدمونه
وكانت مشكلته أن يجده
الآن يظهر ولكن أين ؟!
مجرد التفكير في أن يقبض عليه جهاز أمن الدولة لمحاولة ذهابه لتل أبيب يبعث في نفسه قشعريرة الخوف مما يقال عنهم
تناول سيجارة من طبق مليء بالتبغ وأشعلها
وراقب دخانها يتجه لسقف الحجرة ببطء وظل السؤال يدور في ذهنه
كيف السبيل لهذا الطبيب
كيف وهو في هذه الدولة
كيف وهو في تلك المكانة والشهرة العالمية
ألا يعلمون بنشاطه
أسئلة كثيرة بلا إجابات ظلت معلقة في سماء الغرفة مع دخان سيجارته
عاد يتأمل صور اخته بحزن عندما تجسدت أمامه
نظر لها بحرج فقالت
تناسى الانتقام وتزوج وعش حياتك
هذا لن يحدث، سانتقم ممن قتلك لكن كيف أصل إليه كيف ، كيف
ظل يكرر كلمة “كيف” بصوت ضعيف عندما شعر بها تحتضنه فبكى
يتبع
ناصر رمضان

اظهر المزيد

نهاد كراره

نهاد كراره محاسبة وكاتبة مصرية صدر لها كتب مشتركة مثل بوح الصحبة و قطرات مطر وكتب فردية نيسان الوجع مدن الفراشات الدمشوري وآخر حدود الحلم نشرة العديد من المقالات علي المواقع الالكترونية المختلفة كموقع قل مقالات اجتماعية وبعض القصائد العمودية والعامية علي المواقع الأخرى صدر لها عدد من القصص في جرائد مختلفة منها صوت الشعب و جريدة القصة وغيرها عضو مجلس إدارة لموقع الصحبة نيوز مدير تنفيذي لدار الصحبة الثقافية للنشررالإلكتروني
زر الذهاب إلى الأعلى