
بقلم: حسام الدين عوض
لايخفي على العُقَلاء أنَّ الجوابَ على الشبهةِ يحتاجُ إلى مشقَّةٍ ، لايتكبَّدُهَا من يُلقِيهَا !
ويعظُمُ قدرُ تلك المشقَّةِ .. إذا كانت تُلقَى على الإنترنت في مقال او اثنين! إذ يمتنع على من يدحضها أن يجيب عليها في نفس القدر الذي ألقيت به! فإما أن يحيل القارئ على بحثٍ مُطَوَّلٍ يتناولُ المسألةَ من كل وجوهها وفق منهجية علمية متماسكة ، وهو أمرٌ لن يصبرَ القارئُ على متابعته! أو أن يكتُبَ جواباً مُقتَضَباً لايشفي عليلاً او يروي غليلاً !
ثم يعظُم قدرُهَا مَرَّةً أخرى .. إذا كان الذي يُلقِيها يَلْقَى جُمهورَهُ بوجهِ الحسن البصريّ ، ويخاطِبُهُم بلسان الجاحظ ، بعد أن سربل أفكاره برداء الأدب الرفيع ، وصاغها بمداد القلم الرشيق! وإن كانَ يَرَاعُهُ يقْطُرُ سُمّاً زُعافاً وهو ممن يحسبون أنهم يحسنون صنعاً!
اسمه ‘علي فريد’ ؛ وهو أحدُ عَرَّابي الفكر الديني المتطرِّف على ‘فيس بوك’ و ‘تويتر’ ، ورغم حصوله على شهادة الدكتوراة في اللغة العربية من جامعة القاهرة ، إلاّ أنّ توابع ماحدث في مصر خلال السنوات السبع الماضية قد أصابَ قلَمَهُ الذي يملكُ ناصية اللغة ، ويحملُ همَّ الدعوة -أصابه- بلوثةٍ لايغسِلُهَا ماءُ البحر!
يقول في مقاله المنشور على شبكة الإنترنت تحت عنوان ‘الديمقراطية تلك الزفة الكاذبة’ مايلي:
“الديمقراطيةُ- عند التحقيقِ- كُفرٌ محض لا فَرقَ بينها وبين السجود لِلَّاتِ والعُزَّى وهُبل” وذلك إلى قوله: “الديمقراطيةُ بنتُ العلمانية، والعلمانيةُ بنتُ الإلحاد ، ويوشك مَنْ خَطبَ هذه أن يتزوجَ تلك ؛ فيجمع بين أختين من شَرِّ أبٍّ!!” انتهى كلامُه
قلتُ -أنا حسام الدين-: هكذا وبكل تبسيط لايخلو من إنصافٍ ثم استخفافٍ واستسخاف ؛ يتمُّ تصوير الديمقراطية على أنها بنتُ الإلحاد! حتى تتهيأ نفوسُ المريدين ، وقلوب الأتباعِ لرفضِهَا لأنها جاءتنا من دول الكفر! فلماذا لايُقالُ إن التكنولوجيا التي لولاها ماقرأنا له سطراً ولا سمعنا به يوماً أو بعض يوم .. هي أيضاً بنتُ العلمانية ، وقد جاءتنا من دول الكفر؟ لماذا يقبلُ هذه ويرفضُ الأخرى؟ أم إنَّ الانتقائية سائغةٌ في هذا الموضع؟.
مالايفهَمُهُ ‘علي فريد’ أنَّ الحضارةُ هي ثمرةُ مُحَاولاتِ الإنسان ورصيدُ تجربته ، هي نتاجُ خبرةِ البشرية كلها وليست صنيع المسلمين وحدَهم! وإلا فأخبرني -بالله عليك- ما الذي أنتجه المسلمون أصلاً منذ سقوط بغداد على أيدي المغول منذ نحو ثمانية قرون؟ لا شئ تقريباً!
من الذي اكتشف الكهرباء التي نعيشُ في ظلالها الوارفة؟ ثم الفيزياء وقوانين الجاذبية والطاقة والمادة والسرعة التي قامت عليها نصف المكتشفات العلمية الحديثة ، ثم ماذا عن الطب والجراحة والتشخيص بالأشعة والموجات الصوتية والرنين المغناطيسي والهندسة الوراثية بعد أن توقف الطبُّ لدينا على الحجامة والتداوي بأبوال الإبل ، ناهيك عن الكيمياء والتفاعلات الكيميائية التي أنتجت معظم الأدوية والعلاجات ، ثم الجيولوجيا وطبقات الأرض واستخراج المعادن وتكرير البترول ، علوم الفضاء والأقمار الاصطناعية ، الهندسة بفروعها الكهربية والميكانيكية والإنشائية ، الانترنت وقواعد البيانات وتكنولوجيا المعلومات ، الطيران والنقل البري والبحري ووسائل المواصلات ، الماكينات والصناعات الثقيلة ، الفنادق والمنتجعات ، الأسلحة والصناعات العسكرية .. اذكر لي شيئاً واحداً من هذه القائمة اخترعتها أمَّتُنا أو حتى أسهمت في اكتشافها شيئاً مذكوراً!
لاتحدّثني عن علماءٍ ماتوا منذ ستة قرون ، أو عن علماء تَمَّ تكفيرُهُم والتشنيعُ عليهم لأنهم تعاطوا العلوم التجريبية ، بل حدِّث -إن استطعت- عن إنجازٍ واحدٍ قدمناه للبشرية خلال آخر ثلاثة أو خمسة قرون! نحن نعيشُ -حرفياً- عالةً على الأمم! نرفلُ في نعيم تكنولوجيا أبدعوها هم لنستخدمها نحن وهم ، لكننا وبعد أن استوردنا منهم كلَّ شئ .. رفضنا استيراد الديمقراطية! لأنَّها كفر! ولأننا أحرصُ الناس على الدين!
لو أننا احترمنا غيرَنا ، واعتَبَرْنَا بِحَالِنَا ومَآلِنا ، وقرأنا تاريخَنَا وتاريخ غيرِنا قراءةً نقدية لاسردية لوعينا دروسَهُ وعِبَرَه .. وأمثاَلَهُ وسُنَنَه ، ولفهمنا أنهم أخذوا منّا حين كنَّا نُبدِعُ وننتج وكانوا هما نياماً ، فلماذا نرفضُ أن نأخذَ الآن منهم ونكتفي بتحقيرهم والتهوين منهم والنظرة الدونية لهم باعتبارهم الكفار ونحن الأطهار الأبرار! هل هذا هو حالُ خير أمة؟ أم إنَّ هذه الخيرية ذهبت إليهم لمّا فرطنا نحنُ فيها؟
ثم يقول: “ومن أثبتَ اللهَ وأقصى حُكمَه كان كمن نفى الله وأنكرَ وجوده ؛ فإن رباً لا يَحكمُ ولا يَتصرفُ هو والعَدمُ سَواء!!” إلى أن قال: “الإسلام دينٌ قانونه الشريعة (الحكم لله، والسيادة للشريعة، والسلطة للأمة)” انتهى كلامُه
قلتُ -أنا حسام الدين-: حكم الله ..!! باسم هذه المقدمة الغالِطة والمُغالِطَة ارتُكِبَت عشراتُ الجرائم في تاريخنا ، لم يحكم اللهُ في شئٍ منها أبداً ، بل كانت كلُّها أحكامُ الشيطان الذي أغرى الإنسان بارتكاب كلِّ هذه الموبقات! بيدَ أنَّها قد ارتُكِبَت باسم الله البرئ منها ومن مرتكبيها!
باسم هذه الخديعة (حكم الله) قُتِلَ الخليفة الثالث الراشد عثمان بن عفان ، ثم الخليفة الرابع الراشد علي بن أبي طالب بُعَيدَ أن رُفِعَت المصاحفُ على أسنَّة السيوف لإنقاذ جيش البغي في صفّين من الهزيمة المحقَّقَة! ثُمَّ تمَّ توريثُ الخلافةِ لـ ‘يزيد’ حتى تُوَارَى “الشورى” التراب! وتم قتل الحسين بن عليّ سبط رسول الله! وضُربت الكعبةُ المشرَّفةُ بالمنجنيق ، وقُتِلَ الإمامُ الشافعي على أيدي المتعصبة للإمام مالك ، وسُجِن الإمام أبو حنيفةَ النُّعمَان ، وعُذِّب الإمامُ أحمد بن حنبل ، وذُبِحَ الجعدُ بن درهم يوم العيد ، وأُحرِقت كتبُ الغزّالي والشاطبي وابن سينا وابن حزم وابن رشد وغيرهم!
أخرجَ الإمامُ مسلمٌ في صحيحِهِ أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أمَّر أميراً على جيشٍ أو سرية يقول له: “وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لَا” (صحيح مسلم – كتاب الجهاد والسير) رقم 1731
وقد وضع العلّامة ‘ابن قيم الجوزية’ هذا الحديث في كتابِهِ “إعلامُ المُوَقِّعِين عن ربِّ العالمين” -وهو من أفضل ماكَتَب- فبوَّبه تحتَ عُنوانٍ سَمّاه : “النهيُ عن أن يُقَال هذا حُكْمُ الله”! فليتَ ‘علي فريد’ وأمثاله وعوا وارعووا !
ثم يقول: “هَبْ أن الآلياتِ متوافقةٌ مع الإسلام أو لا يرفضها الإسلام .. لماذا نُصِرُّ على استخدامِ المصطلح الغربي؟!!” انتهى كلامه
قلتُ -أنا حسام الدين-: هاهو ذا يقرُّ أنَّ الديمقراطيةَ ليست أكثرَ من آلية ، وُجِدَت -والحاجة أمُّ الاختراع- لتضعَ حداً للحروبِ الأهليةِ التي اشتعلت في أوروبا عقب الثورة الفرنسية ، وحتَّى تديرَ المجتمعاتُ بها خلافاتِهَا السِّياسية.
ثمَّ انتشرت على نطاقٍ واسعٍ في مجتمعاتٍ تتباينُ أشدَّ التباين ؛ عقدياً واقتصادياً وثقافياً .. فمن سيريلانكا وتايلاند البوذيتين ، مروراً بـ تايوان وكوريا الجنوبية الكنفوشيتين ، وانتهاءاً بـ تركيا وماليزيا المسلمتين ، ولَم تقمْ أيٌ من هذه المجتمعات بتغيير دينِهَا لأنَّها تنظرُ إلى الديمقراطية على أساسِ أنَّهَا وسيلةٌ أو آليةٌ لا دين!
ثمَّ متى أخَذَ الحُكَّامُ المسلمون من لدُن معاوية بن أبي سفيان إلى يومِ النَّاسِ هذا ، بقولِهِ تعالى: “وأمرُهم شورى بينهم”؟ وماداموا لم يفعلوا طيلة أربعة عشر قرناً -اللهم سوى ثلاثينَ سنةً خجولة- فلماذا تريدُني أن أصدَّقَ أنّ غيرَهُم سوفَ يفعَلُ؟ لمجرَّدِ التبشيرِ بما لم يقدِرُوا هُمْ عليه!
ثم يقول:”حِينَ تُدعَى إلى المشاركة في التصويت على مساواة المرأةِ بالرجلِ في الميراث ، أو التصويتِ على ما يزعمونها حقوقاً للمثليين ؛ فهذه صورةٌ ديمقراطيةٌ خالصةٌ لا إِشكالَ فيها..” انتهى كلامه
قلتُ أنا -حسام الدين-: وإن تَعْجَب فعجبٌ قولُهم! الدعارةُ والشذوذُ الجنسيُّ والعُرِيٌ! وكأنَّ الديمقراطية هي هذا! أوَكُلَّمَا تحدَّثنا عن الديمقراطية ، لم يجدوا شيئاً يذكروه في نقدِها ونقضِها سوى هذه الموضوعاتِ المُمِلَّة المستهلكةِ المكرورة! والكلامُ تحت بابِها هو نتاجُ أزمةِ الثُّنَائيَّات المُطلَقَةِ التي أفسدت العقلَ المُسلِم وجعلتهُ أسيرَ الأُحَادِيَّةِ والإقصَاء!
يريدون أن يُصَوِّرُوا للناس أنَّ الديمقراطية لابدَّ أن تصلَ ببلادِنَا إلى الانزلاق نحو أراذل الأخلاق التي لم يعرفها المسلمون يوماً ، ورغم كلِّ ماتعاقب علينا من أنظمةٍ سياسيةٍ واستعماريةٍ مختلفة ، ظلَّت الشعوبُ متمسكةً بدينها ، ومحافظةً على أصولِها .. فلماذا يشنُّعُ هؤلاء حين يرسمون العفاريت على الجدران بريشة أوهامهم ليخوِّفوا الناسَ منها؟
ولعلك -ياعزيزي القارئ- تستحضرُ في هذه اللحظة تلكَ المقولَةَ اللّوذعيةَ الألمعيةَ التي قالَهَا الواعظُ ‘حازم شومان’ يوماً وهو يثيرُ العوامَ على الدكتور محمد البرادعي قائلاً : “دولة مدنية يعني إيه؟ يعني أُمّك متلبسش حجاب”! فهل فُزنا منذ حينِهَا بدولةٍ -ولو- نِصف مدنية؟ أم بـ ‘شبه دولة’؟!
والخــلاصةُ: أنَّ ‘علي فريد’ قد وقع بمقالِهِ هذا في أخطاءَ جسيمةٍ بعضُها منهجيّ بحثيّ ، وبعضُها فكريّ ، وبعضهُا تاريخيّ ، وبعضُها إنسانيّ ، وذلك على النحو التالي:
1. خَلَطَ بكل تهوُّرٍ وجسارةٍ -ليس لها مُستَنَدٌ واحدٌ- بين التشريع المدني وبين التشريع الديني! حين ظنُّ أن كلَّ تجريمٍ لابد أن يكونَ مصدَرُهُ اللهُ ورسولُه ، وكأنَّهُ لايعرِفُ الفرقَ بين المُجَرَّم وبين المُحَرَّم!
هذا والتشريعُ الدينيُّ يتعلّق بالحلال والحرام ، وأما التشريعُ المدنيُّ فيتعلق بتنظيم الدولة وتسيير شئون الناس اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً ، ويجرِّمُ كلَّ إخلالٍ بالأمن والنظام العام مما هو مسكوتٌ عنه في الشريعة ولايتعلَّقُ بحرامٍ أو بحلال.
2. جَعَلَ الديمقراطيةَ ضِدَّ الشورى فكأنّما أغفل أنَّ الديمقراطية هي المُحتَوى الإجرائيُّ للشورى التي ندب إليها الإسلام دون أن يضَعَ لها تصوراً مؤسسياً تتأطَّرُ من خلاله وترك ذلك للناس بحسب ظروفهم.
3. تناسَى أنَّ من أهمِّ إفرازاتِ الديمقراطية التي يناصِبُهَا هُو العداء إقرارُ مبدأ الفصلِ بين السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) ، وتكريسُ ثنائية ‘السلطة-المعارضة’ ، ومنعُ تأبيد الحاكم في السلطة ، واستحداثُ آلياتٍ صارمة للرقابة والمحاسبة والمحاكمة قد تصلُ إلى حدِّ عزلِ الرؤساءِ أنفسهم! وهو سبقٌ تفوَّقت علينا به من يسميها بـ “دول الكفر”!
هذا والتاريخُ يؤكدُّ أنَّ افتقارنا وافتقادنا لمبدأ ‘مستويات التقاضي’ قد تسبب -على سبيل المثال لا الحصر- في سجن وتعذيب إمام أهل السنة -أحمد بن حنبل- وذلك لأنَّ قاضي القضاة في زمن المأمون ‘أحمد بن أبي دؤاد’ كان يتبنى قول الجهمية في مسألة خلق القرآن ، ثم بعد أن وَرِثَ المُتَوكِّل الخلافة عَزَلَ بن أبي دؤاد ونكّل به ، لتنعكسَ الآية! وليُحَاكِمَ مَنْ في السُّلطة كلَّ من عداه على آرائه!
4. ذهَلَ عن التغيُّر الكبير ، والتَّطَوُّر المثير الذي طرأ على صورة التجمعات البشرية ، فبعد أن كان العالم محكوماً بالامبراطوريات الاستبدادية الكبرى التي تقهرُ الناس على دين ملوكها ، تحول من الصورة الأُمَمِيّة إلى الصورة القُطرية لتحكمَ دولُه دساتير مدنية تعتمِدُ مبدأَ المُوَاطَنة ، يتساوى فيها الجميعُ أمامَ القانون ، ويمارسَ الناسُ شعائر دينهم بكل حرية وأريحية ، فلم يعد هناك وجودٌ لما يمكنُ تسميتُه بـ ‘دول الكفر’! أو ‘الأمم المحاربة للإسلام’ ولحقِّ المسلمين في اعتناق دينهم.
5. تناسى أنَّ أحكام المؤبد والإعدام التي صدرت وتصدرُ في حقِّ المعارضين للأنظمة الاستبدادية بالدول العربية ، لازالت تُستَخدَمُ معها ذاتُ المصطلحات الشرعية التي استخدمَها يوماً كُهَّانُ بني أمية وبني العباس ، وأنَّ مرافعاتِ النيابة العامة تشتملُ الكلام عن حدِّ الحِرَابَة ، واستحضارِ النُّصُوصِ القُرآنيَّةِ التي تتعلَّقُ بجزاءِ من يُحَارِبُون اللهَ ورسولَه ويَسْعَوْنَ في الأرضِ فساداً!
فكأنَّ الواقعَ يصرخُ فيه وفي أمثالِه بضرورةِ اللجُوءِ إلى ميزانٍ واحدٍ يتحاكمُ إليه الجميع حتَّى لايقعَ أولئك ضحايا لهؤلاء بعد أن كانوا بخلاف ذلك! ولايمكنُ هذا إلا بالتفريق بين الصراع السياسي والدينيّ ، والكفِّ عن توظيف النصوص الدينية في خدمة بلاط السلطة ، وتجنُّب الزجِّ بآيات الله تعالى في باب ترويع وتفزيع الخُصُومِ والفُرَقَاء أياً كان مذهبُهُم أو اعتقادُهُم.
6. غفلَ عن بشريَّة التجربةِ التي أنتجها الغرب في مقابل تجاربنا التاريخية التي أراد هو تجميلها بما ليست مبرَّأةً منه ، فمادامت ديمقراطيتُهُم لم تحقق السعادةَ المُطلَقَة للفقراء والمعوزين ، ومادامت تدارُ بسلاح المال والإعلام الموجَّه ، فإنَّ العدلَ الذي تحقق -ولو في النادر جداً- من تاريخِنا كفيلٌ بأن يتكرّر مرةً أخرى ولو بمجرَّد التنظير في الفراغ والأمنياتِ التي لايسندُها واقعٌ أو يدعمُها أكثرُ من الإنشاء!
تجربتٌنا بشرية ، وتجربتهم كذلك ، تجربتُنا احتوت عشرات الأخطاء والتجاوزات وتنازعتها نوازعُ الفردية والأنانية وخلت في كثير من الأوقات من التجرد الصادق للحق والانحياز للعدل ، وتجربتهم كذلك! ونحنُ لسنا أفضل -في تلك البشرية- منهم لمجرد انتمائنا للإسلام ، وانتمائهم -ولو بحكم الوراثة- لغيره!
7. قَدَّمَ فِكرَتَهُ لابوصفِهَا اجتهادًا منه قادَهُ اليه نَظَرُهُ وفَهمُهُ ، بل بوصفِهَا هي الإسلامُ الذي نقيضُه الكفرّ ومغبَّةُ مخالفَتِهِ الضَّلال! ليقعَ بذلك في معين الاستبداد الذي ينهى عنه! وفي ذات الأغاليط التي وقع فيها -قبله- الأستاذ سيد قطب -رحمه الله- والتي تسببت في استشراء الأحادية التي يتمسّكُ بها طيفٌ واسعٌ من أبناء الحركات الإسلامية ، وهو ذات الإسقاط في أغلاط الذي يقعُ فيه كثيرٌ من مٌنظِّري الجماعات الدينية والدعوية حين يقول قائلُهُم: “هذا دينُكُم فلاتُدَاهِنُوا فيه أحداً”!