
************************
Ω 13 Ω
اهتز سطح الماء قليلا بالقرب من شاطئ جزيرة مملكة الجماجم قبل أن يبرز منها ثلاثة خيول غريبة الشكل .. لها خياشيم على جانبي أنفها ..عظيمة الحجم ..قصيرة السيقان ..تشبه القارب عندما تسبح في الماء ..ولها أجنحة لا تبسطها إلا وهي تستعد لهجر البحر لتطير .. إنها خيول مملكة جن البحور العجيبة و هي تحمل “عمر ” و “حسان ” و “برنان ” على ظهورها و قد ارتفعت بهم عن سطح البحر و انطلقت في اتجاه نقطة الإختراق على الجزيرة وقبل أن يصلوا إليها توقف “برنان ” و قال :
-هنا سأترككما …و لكننا سنبقى على استعداد في انتظار الإشارة …نحن نراقبكما جيدا ..ما أن تحطا على الشاطيء ستعود الخيول وحدها من حيث أتت ..
ثم فقال “عمر ” في توتر :
-هل تعتقد أننا سننجح في هذا ؟
فصمت “برنان ” قبل أن يقول في جمود :
-لم أشأ أن أقضي على الأمل الأخير لأبي ..و لكنني شخصيا أعتقد أنكما ستكونان محظوظين إن لم يقضى عليكما قبل أن تلتقطا أنفاسكما على الجزيرة ..( ثم ابتسم في تكلف ) حظا سعيدا..
فنظر “حسان ” إلى “عمر ” قائلا توتر:
-ياله من تشجيع ..
فتنهد “عمر ” قبل أن يقول :
-إما أن نفعلها أو سنموت معهم على أي حال ..فدعنا نحاول عسى الله أن يوفقنا ..
فقال “حسان ” :
-أتمنى ألا تعرف سيوفهم عنقي ..فلست أحب أن أفقد رأسي عندما أموت ..
فابتسم “عمر ” وقال :
-دعك من هذا الآن ..هل أحضرت ما أخبرتك به ؟..
فقال “حسان ” وهو يربت على حقيبته الخشبية :
-نعم ..غير أنني لست متأكدا من أنها قد تنفعنا مع هؤلاء ..
فقال “عمر ” :
-لا تقلق ..فلدي خطة ..و الأفضل أن ننجزها قريبا ..فلم يتبق على مراسم القربان الأعظم الكثير ..
فقال “حسان ” في قلق :
-الأفضل أن تعمل خطتك قبل أن تعمل فينا سيوفهم..
وصلا إلى الشاطيء و نزلا عن الخيول التي عادت من حيث أتت و تركتهما يتلفتان حولهما في حذر شديد و هما يستتران بستار الظلام و ما كادا يخطوان أولى خطواتهما حتى شعر “حسان ” بعدم الراحة من الأرض التي يخطو عليها فقال :
-يالها من أرض صلبة و غير مستوية .. أي نوع من الأحجار هذه ؟
فانحنى “عمر ” قبل أن يقول :
-النوع الذي يلازمك طوال حياتك ..
فانحنى “حسان ” بدوره متفحصا الأرض قبل أن يفغر فاه في رعب .. فما رآه لم تكن أحجارا .. بل كانت جماجم بشرية ..الأرض بأكملها معبدة بالجماجم….
****************
Ω 14 Ω
جاثٍ على ركبتيه في معبده , شارداً , مغمض العينين يفكر ..تحيط به الشموع الحمراء .. و أمامه بلورته السوداء المعلقة في الهواء في وسط إطار ذهبي مرصع بالأحجار الكريمة تحت كوة مفتوحة في سقف المعبد .. ظل يهمس بكلمات غير مفهومة وقتا ليس بالقصير ,إلى أن صمت فجأة ..إذ استيقظت بداخله ذكريات بعيدة جدا ..و تتابعت أمام عينيه مشهدا مشهدا ..وكأن ما حدث .. قد حدث بالأمس القريب ..
” يا ولدي لا تحزن .. لقد قضيت عليك بيدي ..و حكمت عليك بهذا الذل المقيت ”
قالتها الأم على فراش الموت و هي تلهث ..و بعيدا عن الفراش عند جدار الكوخ المتهالك كان يجلس الفتى اليافع واضعا رأسه بين ركبتيه و يبكي في صوت مكتوم و قلبه يتآكل من الألم .. شعرت الأم بألم ولدها .. و شعرت بمدى الجرم الذي أقدمت عليه وكان سببا في إنزال لعنة أبدية على ولدها المشؤوم.. لم تستطع أن تمنع دموعها و هي ترفع يديها إلى ولدها آملة أن يلمسها أو يأخذها بين يديه .. ولم تجد سوى كلمة واحدة تقولها له :
-سامحــني ..
ولفظت نفسها الأخير …
رفع الفتى رأسه لينظر تجاه الجثة الهامدة ..لم يستطع الإقتراب منها ..و لم يستطع أن يشعر بأي حزن من أجلها … لم يشعر غير بالسخط الشديد .. لم يشعر سوى بالغضب ..
” أقتلوا العاهرة و ابنها .. أقتلوا كليهما ”
جاءته الكلمات يحملها صوت أحد الفتيان الذين كانوا أصدقاءه يوما ما .. قبل اليوم الذي أكتشف فيه والده أنه لم يكن يوما يملك القدرة على الإنجاب .. و أخذ يعذب زوجته حتى أعترفت أن الفتى نتاج خطأها مع أحد البحارة أثناء سفر زوجها .. فراح الأب يتناول الخمر في الحانات و هو ينشر الخبر بين الناس و يزيد عليه أنها خانته مع الجميع .. و ظل يردد كلماته حتى ذلت قدماه و هوى من فوق جرف كبير و سقط بين الصخور صريعا .. تبدلت نظرات الجميع إلى المرأة و الفتى الذي أصابه العار .. وظل مضربا عن الطعام لما سمعه من أصدقاءه الذين لقبوه بابن العاهرة .. إعتزل هو و أمه الجميع في هذا الكوخ حتى أصاب أمه المرض و صارت طريحة فراش الموت .. و ها هي تموت لتتركه يتجرع ما لم تجنه يداه أبدا ..
” دعونا نتطهر منهما ..هيا ”
جاءه الصوت من جديد .. فنهض ببطء ليرى من النافذة ما يحدث .. وفجأة .. أصابته عصا مشتعلة في وجهه ..فارتد وهو يصيح في ألم ..و سقط أرضا وهو لا يكاد يرى أمامه غير الشعلة التى سقطت في قلب الكوخ .. علم الآن أن أصدقاءه المقربين قد قرروا التخلص منه هو و أمه نيابة عن أهل الجزيرة .. و ما لبث حتى وجد شعلة أخرى تقذف داخل الكوخ و قد انتشرت النيران في الكوخ .. حاول أن ينهض ممسكا بفراش والدته , فوجد شعلة ثالثة سقطت على فراش على والدته ..حاول أن يمسك بالشعلة ليبعدها عن والدته .. لكن أته صوت آخر ..إنه أحد أصوات القدر ..نظر إلى أعلى ..ليجد المصباح الزيتي المعلق بسقف الكوخ ينفجر ليسقط الزيت على وجهه و على الشعلة التي يمسكها ..فتشب النار في وجهه و في ملابسه ..ليبدأ في الصراخ و الهرولة هنا و هناك .. و أخذ يصرخ صرخات عظيمة حتى وجد نفسه يخترق الجدار الخلفي للكوخ المتهالك وهو يهرول ..حتى سقط في بركة طينية صغيرة ..أطفأت النار قبل أن يغيب عن الوعي ..
كان الحريق و إنهيار الكوخ يجذب كل إنتباه الفتيان حتى أنهم لم يفطنوا إلى خروج الفتى من الجهة الخلفية ..و بعدما إنهار الكوخ المحترق هرولوا عائدين إلى منازلهم ..
طيف أحمر ظل يحيط بصورهم وهم يضحكون و يسخرون منه ..يحيط بصورهم وهم يسبونه هو و والدته .. الجميع يعاقبونه بذنب لم يقترفه ..لو كان يملك السلطان .. لأهلكهم جميعا ..سمع الهمس العجيب .. فتح عينيه ليرى الطيف الأحمر يتجسد في صورة إنسان دخاني بلا ملامح .:
…..يتبع