التأويل والتفويض ، حوار مع وهّابي!

بقلم : حسام الدين عوض
قال لي: حدثني عن عقيدة الصحابة ، أين أجد تأويل الصفات عندهم ، و نفي الجهة؟
قلت: أمَّا التأويل .. فماذا تقول في قوله صلى الله عليه وسلم: أقرب مايكون العبد من ربه وهو ساجد؟ فكيف يكون أقرب في سجوده إلى الله وهو متوجه إلى السفل .. والله في جهة العلو وفق مذهبكم؟
قال: و ماذا أقول في نزوله سبحانه للسماء الدنيا؟
قلت: أجبني وسوف أجيبك
قال: أتذكرها لأحد علماء السنة .. قال له رجل من المعطلة أنا لا أومن برب ينزل و يجيء .. فقال له العالم و أنا أومن برب يفعل ما يشاء
قلت: الله يفعل مايشاء لكنه لايحل في شئٍ من مخلوقاته فهذا قول الحلولية وهو ممتنع .. تفضل الآن وأجبني .. ماقولك في حديث النبي صلى الله عليه وسلم : أقرب مايكون العبد من ربه وهو ساجد .. تفضل
قال: أجبتك بالفعل بأن هذا لا يستلزم الحلول إلا إن كان كمثلنا ..
قلت: ماهو الذي لايستلزم الحلول؟
قال: القرب و النزول و المجيء و العلو و الاستواء .. كل هذا .. كلها صفاته التي وصف بها نفسه سبحانه
قلت: النزول في اللغة هو الانتقال من علوٍ إلى سفل ، ويلزم منه شغل مكان وإفراغ مكان … هل تعرف للنزول في اللغة معنىً سوى هذا ؟؟ فإن قلت: الله ينزل ولايلزم في حقه سبحانه شئٌ من هذا .. فتكون بهذا قد فوّضت المعنى .. فهل تفوض المعنى؟
قال: هو ده بالظبط الإشكال .. أنت تبحث عن “كيف” .. و هذا هو لب البلاء .. لب بلاء التجسيم و لب بلاء التعطيل و لب بلاء التأويل .. لو أعفيت نفسك من كيف لأمررت صفات الله كما وصف نفسه بدون مقارنتها بتكييفات الخلق لها .. أنت تدخل الغرفة إذن أنت أصغر من الغرفة .. هكذا لا تستطيع أن تفهم معنى دخولك للغرفة إلا بهذا .. فأنت لا تعرف إلا المخلوقات و صفاتها .. فإذا قابلت تويف الله لذاته العلية قسته على تكييف نفس الصفات في حق الخلق فلم تجد إلا الحلول ..
قلت: أنا أسأل الآن عن المعنى وليس الكيف .. (معنى) النزول في اللغة: هو الانتقال من علو إلى سفل ويلزم منه إفراغ مكان وشغل مكان .. هل تعرف للنزول معنىً سوى هذا ؟؟ أما كيفية النزول فشأنٌ آخر ..
والخلاصة أني ألزمك الآن بأحد أمرين: (1) إما أن تقول: ينزل الله بمعنى لا أدركه .. فتكون قد فوّضت المعنى ورددت على كلام شيخك ابن تيمية وهو يقول: (وتفويض المعاني من شر أقوال أهل البدع والإلحاد) ، وتصبح أنت عندها متهماً عند ابن تيمية (2) وإما أن تقول: نعم .. ينتقل .. فتكون قد نسبت لله التحيز والحلول والعياذ بالله .. تفضل ..
قال: يلزم منه فراغ مكان و شغل مكان في الأجسام .. والله ليس جسماً .. واضحة كده؟ التفويض هو القول بأن هذه المفردات لا معنى لها .. نحن نؤمن بمعناها و نرفع أيدينا عن تكييفها
قلت: لا غلط .. ليس هذا هو التفويض .. التفويض أن تقول: هذا المعنى أعلمه في حق المخلوق .. لكني لا أحيط به في حق الخالق .. فأفوض علمه إليه ، وأمّا كلامك عن الأجساد فشيخك ابن تيمية نفسه لايستنكف من وصف الله بالجسم! فأيكما أصدق ؟
قال: طيب هاتهالي دي بقى .. وصف الله بأنه جسم؟ مستحيل!
قلت: قال ابن تيمية في كتابه “بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية” مانصه: (فإن قيل فما تقول في صفة الجسمية، هل هي من الصفات التي صرح الشرع بنفيها عن الخالق أو هي من الصفات المسكوت عنها فنقول إنه من البين من أمر الشرع أنها من الصفات المسكوت عنها وهي إلى التصريح بإثباتها في الشرع أقرب منها إلى نفيها وذلك أن الشرع قد صرح بالوجه واليدين في غير ما آية من الكتاب العزيز وهذه الآيات قد توهم أن الجسمية هي له من الصفات التي فضل فيها الخالق المخلوق كما فضله في صفة القدرة والإرادة وغير ذاك من الصفات التي هي مشتركة بين الخالق والمخلوق إلا أنها في الخالق أتم وجودا ولهذا صار كثير من أهل الإسلام إلى أن يعتقدوا في الخالق أنه جسم لا يشبه سائر الأجسام وعلى هذا الحنابلة وكثير ممن تبعهم “والواجب عندي في هـــــذه الــــصــــــفــــة”! أن يجري فيها على منهاج الشرع فلا يصرح فيها بنفي ولا إثبات) انتهى كلامه وتأمل قوله حين قال: (والواجب عندي في هـــــذه الــــصــــــفــــة)!!
الآن وبعد أن أثبتت لك أنك لاتعرف عن شيخك شيئاً وأنه يقول بالجسمية! أو هو على أقل تقدير لاينفيها! فأنا أطالبك أن تجيب على سؤالي الأول حتى لايتفرع النقاش (فهي عادة جربتها كثيراً معكم) .. معنى النزول : الانتقال من علو إلى سفل .. فهل الله ينتقل من علو إلى سفل؟
قال: سألتك هل قال ابن تيمية أن الله جسم .. قلت لي نعم .. ثم جئتني بنفوره من استخدام المصطلح بالكلية
قلت: ألم أقل لك إنَّ ابن تيمية لايستنكف من وصف الله بالجسم؟ وأنت تحديتني أن آتي لك بهذا النقل؟ الآن وبعد أن تأكد لك ما أقول ، نعود إلى سؤالنا الأول : هل يعرف العرب للنزول معنىً في اللغة سوى ماذكرت؟ الانتقال من علو إلى سفل؟ وإفراغ مكان وشغل مكان؟ تفضل وأجب مشكوراً
هاهو شيخ إسلامكم الذي تقدمونه على الأئمة الأربعة يزعم أن أهل الإسلام يعتقدون في الله أنه جسم لاكالأجسام !! فلماذا تنفي عن الله الجسمية؟؟ قل كما قال شيخك : جسم لا كالأجسام !
قال: لو عنى بالجسم الوجود لكان المعنى صحيحاً و لكن اللفظ لم يرد به نص فلا نستعمله .. لكونه يحقق مشتركاً لغوياً .. لهذا ينفرون من هذه الألفاظ .. و يحتكمون إلى الألفاظ التي وردت في النصوص
قلت: بل عبارته الأخيرة أشنع من كل ماسبقها !! فهو يتبنى فكرة (لانصرح فيها بنفي ولا إثبات) رغم أنه هو نفسه يقول بصريح العبارة (جسمٌ لا كالأجسام) فهل وصف الله نفسه في نص شرعي واحد من كتاب أو سنة بأنه جسم ؟؟؟ هذا لسان عربي يا أخ محمود .. وهو أوضح من الوضوح
وأقول بكل ثقة: بل ننفي عن الله تعالى كل نقص .. وننزهه عن مشابهة الحوادث وعن حلوله بالحوادث .. ونصفه تعالى بكل كمال .. ولانتابع ابن تيمية على خوضه في الفلسفة التي ينتقدها هو! وإنما فعل به وفيه ذلك .. تصميمه على منازلة الخصوم من أهل القبلة .. وعلى الانتصار لفكرة بناها على فكرة سابقة معلبة وأياً يكن الثمن
قال: لماذا لا تترك لمن يقول جسم ما يريد به ؟ هذا إن قبلنا استخدام اللفظ .. و نحن لا نقبله لتجنب الخلط و الاشتراك اللغوي! يعني لو قال جسم تعني مطلق الوجود و لا تعني مماثلة ما نعرفه من أجسام فلو نفيت معناه لنفيت وجود الله .. فالتعليق إنما على النفور من استخدام اللفظ لعدم وروده في الشرع .. و لكونه قد يفهم منه الخلق من طين أو من حديد أو مما نعرفه ..
قلت: هذا خروج عن محل نزاعنا .. محل نزاعنا هل أثبت الجسمية لله أم لا .. وقد نفيتها أنت حين قلت: النزول الذي يلزم منه إفراغ مكان وشغل مكان هو في صفات الأجسام ..
جميل .. (وهو تفويض لو تعلم .. لأن النزول في اللغة ليس له إلا هذا المعنى) .. لكن ماعلينا ..
هذا شيخ إسلامكم يقول: إن الله جسم لا كالأجسام .. ويقول في موضع آخر: إن التفويض من شر أقوال أهل البدع والإلحاد ..
والآن .. أنتم يا مقلدي ابن تيمية .. أمام أحد أمرين لاثالث لهما (1) فإما تتابعونه على أقواله تلك .. وتقولون إن الله جسم لا كالأجسام (والعياذ بالله) وأن التفويض من شر أقوال أهل البدع والإلحاد (فيلزمكم من هذا إثبات أن الله ينزل نزولاً حقيقياً) ويلزمكم بعدها أن تضيفوا عبارة (يليق بمقامه) حتى تبرئوا أنفسكم من تهمة التشبيه والتجسيم .. وأنتم واقعون فيها بغير ريب! (2) أو تفوضوا كما فوض السلف وكما فوضت الأشاعرة والماتريدية (الخلف) .. وأن تعتذروا عن اتهامكم للمسلمين بالابتداع في الدين .. وتسقطوا بذلك كل تهمكم في حقهم ، فتفضل حتى نحسم مادة هذا النقاش …
قال: أية جسمية تلك ؟؟ تتحكم أنت بمعنى مفردة و تلزم بها من يستخدمها للإيضاح ؟؟ و لا تقبل منه إيضاح معناها ؟؟ و هو قد أوضحه بالفعل ؟؟؟؟ أي مسلك هذا ؟
قلت: أية جسمية!!! وهل لله جسمية أصلاً حتى تسألني عن أيها؟؟
لاغرو أن جسدك لم يقشعر وأنا أنقل لك كلام ابن تيمية في وصف الله بالجسم وفي أن الجسمية من صفاته عز وجل .. وأنه جسم لا كالأجسام !!!
بدأنا أولاً بقولك: فين الجسمية دي؟؟ هاتهالي ..
والآن انتقلنا إلى مستوى آخر .. جسمية لكن بمعنى غير الذي أتصوره!! وهل أتصور أنا معانٍ أم أنكم أنتم من يزعم أنه لايصف الله إلا بما وصف به نفسه .. ثم تصفونه بما لم يرد في كتاب ولا سنة
قال: هو لم يصرح بنفي ولا إثبات .. قال فيما نقلته أنت عنه: (ﻭاﻟﻮاﺟﺐ ﻋﻨﺪﻱ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ اﻟﺼﻔﺔ ﺃﻥ ﻳﺠﺮﻱ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﻬﺎﺝ اﻟﺸﺮﻉ، ﻓﻼ ﻳﺼﺮﺡ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻨﻔﻲ ﻭﻻ ﺇﺛﺒﺎﺕ(
قلت: مفيش لفظ “جسمية” أصلاً في الشرع .. هذه بدعة من اختراعات ابن تيمية بسبب خوضه في الفلسفة .. وكم له من اختراعات .. قدم العالم بالنوع .. تقسيم التوحيد إلى ألوهية وربوبية وأسماء وصفات وعزل كل نوع عن الآخر واختراع تصور أن المشركين وحدوا الله في ربوبيته وأشركوا به في ألوهيته .. وهل بني الدين الوهابي إلى على مثل هذه الترهات؟
قال: أنت ملزم بمدلولك انت .. و لا تلزم به غيرك .. لذلك نقول أن الأفضل عدم استخدام مفردات لم ترد .. أما أن تتحكم في مقصد غيرك فهذا أمر عجيب
قلت: ينسب لله الجسمية (التي يلزم منها الأبعاد والتبعيض والتركيب من أعضاء والثقل والعمق وشغل والتحيز والحد والجهة) وبعدين تقولي مدلول كلامه غير مدلول كلامي!! والأفضل أن نتجنبها! لا ليس بهذه البساطة .. قل: هي بدعة .. وقل : يصيب ويخطئ ويؤخذ من قوله ويترك! إنما تلبس الكلام ثوب الاعتذار اللطيف الخجول .. لا .. هذا دين .. وليس لعباً !
قال: يصيب و يخطئ؟ ما خدتش بالي من دي في أول قراءة .. ده على أساس إن ابن تيمية معصوم مثلاً؟ دا احنا بنقول ابو بكر ليس معصوماً .. هنقول ابن تيمية معصوم! مستحيل!
قلت: تقرون بانتفاء العصمة في حقه بلسان المقال ثم ترفضونها بلسان الحال! خلاص بيّن لنا مواضع أخطائه حتى نعرف أنه غير معصوم! لن تتجاسر على فعل ذلك! فيكون كلامك مجرد إنشاء لامعنى له ولامحل له من الإعراب! أنتم تنقلون أقواله وتنتصرون لها بكل مستند ولو خالف العقل والشرع! ثم تقولون إنه ليس بمعصوم!
ذبحتونا! نقول لكم الله لاينزل ولايطلع وليس في مكان .. ولا يتحيز ولايستقر .. ولا يحل بالحوادث ولا تحل به الحوادث .. تقولوا لا .. هذه صفات الأجسام والله ليس جسماً ..!!
نجيب لكم: كلام شيخ الإسلام (عندكم) الآخذ بتلابيبه وتلابيبكم .. وهو يصرح بأن الجسمية صفة!! من صفات الله ، ثم يتناقض حين يقول لانثبتها ولاننفيها .. فتعودون أدراجكم وتقولون: المهم مدلول مايقصد!! والأفضل أن نتجنب مثل هذا! لاياشيخ؟؟
يتجنبه إزاي وقد أقام عليه مذهبه كله؟ وألف عليه عشرات الكتب والمقالات والمناظرات ، وتوهم صفات ودافع عن قول من يقول: “لو قد شاء لاستقر على جناح بعوضة” وغير هذا .. ودافعتم أنتم عن قوله ثم تنفون التجسيم والتشبيه عن أنفسكم! وأنتم تصفوه الله بالجسم .. هكذا وبكل جسارة!
ومع هذا فنحن لا نكفركم كما كفرتم أنتم جماهير الأمة .. بل نقول: مافعل بكم هذا إلا التقليد .. والنسج على منوال النجدي الذي جعل من ابن تيمية شيخ الإسلام .. وجعلتم أنتم أقواله هي الحق الذي ليس بعده إلا الضلال .. فهل عرفتم؟؟ أسأل الله الهداية لي ولكم ولجميع المسلمين
وعلى هذا أغلق حوارنا!