الإنسان .. بين الزمان والمكان!

بقلم: حسام الدين عوض
يؤمن المسلمون ومعهم أهل الكتاب أنَّ الله تعالى كان ولا مكان ولا زمان ، ثمَّ خلق المكان والزمان!
فكيف نستطيعُ أن نفهمَ المكانَ والزمانَ؟ حتى نعرف الأبعاد التي يعيش الإنسان فيها؟ ومايمثله من مكان أو مكانة؟
أولاً: المكان
أنا وأنت وجميعُ البشر من لدن آدم -فقيرُنا وغنيُّنا ، صغيرُنا وكبيرُنا ، حقيرُنا وعظيمُنا- ننامُ حين يَجنُّ الليلُ على مهجعٍ لاتتجاوزُ مساحته ثلاثة أمتار مربعة!! هذا هو مكانُ الإنسان الذي لايتخلَّفُ عنهُ إنسان!
وأما المكانُ الذي يشملُ كلَّ المخلوقات ، فهو الكونُ الذي نعيشُ نحن فوق نقطةٍ ضئيلةٍ منه تُسَمَّى كوكب الأرض ، فعلى مساحةٍ لاتتجاوز اثنين بالمائة من مساحة هذا الكوكب يعيشُ أكثر من سبعة مليارات من البشر ، فماهي نسبة الإنسان الواحد إلى كوكب الأرض؟ ثم ماهي نسبة هذا الكوكب إلى الكون نفسه؟
لكي تتصور معي حجم هذا الكون ، فسوف أضربُ لك مثالاً بالضوء (نظراً لسرعته الخارقة) ، يستطيعُ الضوءُ -وبفضل سرعته التي لايستطيعُ العقلُ البشريُّ تصوُّرَها- -يستطيعُ- أن يدورَ حولَ كوكب الأرض ثمانِ مراتٍ تقريباً في الثانية الواحدة! (ناتج قسمة السرعة (سرعة الضوء 300 ألف كيلو متر في الثانية) على المسافة (محيط الأرض 40 ألف كيلو متر)).
تخيل معي هذا الضوء بهذه السرعة الخارقة المعجزة ، فلو افترضنا أنه قد بدأ الآن يتحرك من أقصى نقطة في الكون ، فلكي يصل إلى النقطة المقابلة فإنه سوف يستغرق ثلاثاً وتسعين مليار سنة! (نحنُ نتحدثُ هنا عن الكونِ المرصود حتى الآن ، وهذا مع فرض أنه لايتوسع).
هذا -ياسيدي- هو حجمُنا بالنسبة لحجم الكون المرصود : 3 متر مربع .. في مقابل ثمانية ونصف تريليون تريليون كيلو متر تقريباً!
ثانياً: الزمان
بالنسبة لنا -نحن المخلوقات- وبعيداً عن التعريفات الفلسفية أو الفيزيائية المعقدة فالزمان هو ببساطة عبارة عن: الماضي + الحاضر + المستقبل! وبما أنَّ عمرَ الإنسان -في المتوسط- 60 سنة (يحصلُ لهُ فيها من الأحداث مالايمكن حصره ، مابين أفراحٍ وأتراح .. نجاحاتٍ وإخفاقات .. جراحاتٍ وانكسارات .. صراعاتٍ وحروب) ، فيما عمر نبات الباندو الأميريكي 80 ألف سنة ، وعمر الحوت مقوس الرأس 210 سنة ، وعمر حشرة (Mayfly) أقل من 24 ساعة!
المثير للدهشة حقاً أن العلماء قد اكتشفوا جسيماً أسموه ‘الكوارك الثقيل’ (أصغر من الذرة) وعمره عشرة أس ناقص اثني عشر ثانية (10^12-)! يعني لو قسَّمنَا الثانية الواحدة لـ تريليون جزء (مليون مليون) فسوف نجد هذا الجسيم قد وُلِدَ وترعرع وأنجب وتكاثر وشاخ ومات (الماضي+الحاضر+المستقبل) وذلك كله يحدث في هذا الجزء غير المحسوس لنا من الثانية.
فالزمنُ بالنسبة لهذا الجسيم الذي يعيش حياةً مثالية بالمقارنة مع زمننا ، أمرٌ لايمكن تصوُّرُه! فإذا أخذنا في الاعتبار أن عمر كوكب الأرض 4.6 مليار سنة! وقد عاشت الديناصورات من هذا العمر نحو 160 مليون سنة ، ثم انقرضت تماماً منذ نحو 65 مليون سنة! فكيف نستطيع أن نصف الزمن؟ ثم ماهو عمر البشرية كلها إذا ماقورن بعمر الديناصورات التي عاشت -يوماً- على الأرض؟
وفق الكتاب المقدس الذي يؤمن به اليهود والمسيحيون فإنّ عمر الإنسان يبلغ سبعة آلاف سنة ، بينما اختلفت الدراسات الحفريةُ في تقدير عمر أول مخلوق عاقل عاش على الكوكب ، فقالت بعضها: 20 ألفاً وقيل: 200 ألف ، وقال أكثرهم تفاؤلاً وإغراقاً في الإغراق: بل مليون سنة!
وأما القرآن الكريم ، فليس في شئٍ من نصوصه القطعية الصريحة مايدلُّ على عمر البشرية ، والمسألةُ كلُّها لاتعدو بعض الاستنتاجات والاجتهادات التي قال بها بعضُ الفقهاء المتأخرين كالحافظ السيوطي وغيره ، وقد أثبتت الدراسات الحفرية والتاريخيةُ مجانبته للصواب.
الخلاصة .. أننا كبشر ومن خلال أبعاد الزمان والمكان (space-time dimensions) .. لاشئ!
Nothing
بكل ماتحمله الكلمة من معنى!
أما الملحد .. فيجعلُ هذا دليلاً على نفي الأديان حين يقول: أرأيتم؟ الإنسانُ مجرد حثالة كيميائية تطورت عبر ملايين السنين من خلية أولى (لايعرفُ هو نفسُهُ مَن أوجَدَهَا! ولاكيف تحوّلت من العدم إلى الوجود ، ولاكيف انتقلت من اللاشئ إلى الحياة) وهذه الطفرةُ سوفَ تَفنَى يَوْماً كَمَا فَنيَت الديناصورات وانقرضت! (ولاشكَّ أن فكرته هاته دعوةٌ لأن يسودَ العالمَ قانونُ الغاب .. فلاإله ولا حساب ولا معاد! نحن لسنا سوى طفرةٍ كيميائية ظهرت بمحض الصدفة!) ناهيك عن أنَّ مثل هذا التصور هو نظير تصوّر الطفل الذي يدركُ الأمورَ بمقدار ماتشغله من حيز (الحجم) وليس الكيف!
وأما المؤمن .. فيجعلُ هذا دليلاً على وجود الخالق معللاً: من المحال أن تكون هذه الصنعةُ المهولةُ المعجِزَةُ المُتقَنَةُ بغير صانع! يبدو أن الخالق القدير -سبحانه وتعالى- أراد أن نفهم أننا بمقياس المادة لاشئ ، لكنَّنا بمقياس العقل الحاكم عليه الضمير .. أهمُّ مخلوقاته وإن لم نكن أعظمها !
قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) سورة الإسراء : الآية 70