اختيار الزوجة ، وحقيقة مصطلح “القَبُول”!

بقلم: حسام الدين عوض
كثيراً ماكان يأتيني بعضُ أصدقائي من الباحثينَ عن زوجةِ المستقبل ، ويسألونني المساعدةَ في إيجاد شريكة حياةٍ مناسبة لهم ، فأذكرُ جانباً من مواصفاتهم لزوجتي ، فضلاً عن بعض مطالبهم في الطرف الآخر ، ثم نقوم معاً بترشيح شخصية مناسبة لهذا الطالب ، وأكثرُ من رشحتُهُنَّ كنَّ يتمتعن بمواصفاتٍ متميزة من الدين والجمال والنسب ، إلا أنّ أكثر مالاحظته –إلي حدٍ يرقى لدرجة الظاهرة- أن الطالبَ حين يذهبُ لرؤية المخطوبة ، وبعدَ أن أسألَهُ عن رأيِهِ فيها ، كان يجيبُني ببرود: لم يحدث قَبُول !
وقد فهمتُ -لكثرة ماخضته من هذه التجارب- أن كلمة “القَبُول” تُستخدمُ لدي بعضهم استخداماً زئبقياً مطاطاً ، وأنها تعني “الانبهار”!! فيظنُّ الخاطبُ أن القَبولَ يعني أن يفتحَ فمَهُ مذهولاً عند رؤية مخطوبتِه لأول وهلة .. مأخوذاً بحسنِها الذي لاتخطئُه عين.
تحرير المصطلح
عندما ذهب الرجلُ يستشيرُ النبيَ صلي الله عليه وسلم عن عزمه في الزواج ، بادره الرسول بقوله: “اذهبْ فانظر إليها” ، وقد اشتطَّ الفهمُ ببعضِ الناس فظنُّوا أن هذا النصّ الشريف يُسوِّغُ لهم أن يقومَ كلُّ أحدٍ منهم بعملية (فرز) للبنات !
وهو سوقٌ للدليل في غير مساره ، فإنما أرادَ الرسولُ منه النظر إلى فتاةٍ متعينة بالاسم والوصف ، كان قد عزمَ على الزواج منها ولم يكن قد رآها بعد! وكل مايعرفه عنها كان سماعياً لا غير
فأين هذا من المقارناتِ التي يعقدُها شبابُنا المتدين في أيامنا هذه بين الفتيات ، جاعلين الجمالَ الماديَّ أهم عوامل الترجيح !!
وهل يستوي عندهم شابٌ ذهب لرؤية فتاة ، فإن لم يرَ فيها شيئاً منفراً يصدُّه عنها .. بادر بخطبتها .. هل يستوي هو ومن يوغلُ ببصره فيري هذه وتلك ، ويدخلُ البيوتَ ليخرجَ منها .. ثم يقرر الزواج استناداً واتكاءاً علي عامل الجمال.
وإن لم يجد فيمن رآهن من تبهرُه وتذهلُه ، راح يفتشُ عنها في كل فج عميق ، تحت دعوي عريضة فارغة من كل مضمون ، مفادها أنه ذهب لتحقيق الرؤية الشرعية غيرَ عابئ بأثر فعلِه علي حالتها النفسية ، وعلي حال أهلها ، وهو في حقيقةِ أمرِه إنما يذبحُهَا بدمٍ بارد .. ثم يبادرك بقوله: “لم يحدث قَبُول”.
لاتحصنُني إلا وافرةُ الحظِّ من الجمال!!
وقد شاعَ أن تسمعَ هذه الجملة تلاكُ في أفواه البعض ، فيتعلل الشابُّ –استناداً لما يعمله من نفسه- أنه لو لم يتزوج فتاةً وافرةَ الحظ من الجمال المادي ، فربما زاغَ بصرُه إلي غيرها! فلا يتحققُ له معني الإحصان
فهل يظنُّ ذلكَ المسكينُ أن زوجتَه مهما أوتيت من الجمال فلن يجد في غيرها ماليس فيها؟
بل هل يضمنُ لنفسه أو يضمنُ له غيرُه أن يتزوج من حسناء لايختلف اثنان على حسنها ثم لايصادفُ خلال مشوار حياته واحدةً تفوقها في شئ أو في كل شئ فتقلب عليه حياته الهشة ودينه الأوهي من بيت العنكبوت؟
ثم منذ متي والجمالُ البراق للزوجة هو مايحولُ بين صاحب الدين وبين النظر لحرمات الله؟ أيظنُّ أن الذين يغضُّونَ أبصارهم إنما يفعلون ذلك لجمال زوجاتهم؟ أم طمعاً فيما عند الله ، وماعند الله خيرٌ وأبقي.
أخشي أن ينغص علي ذلك العيب حياتي!!
ومما لاينقضي منه العجب ، أن تسمع قول من يقول: أخشي لو كانت معيبة الجمال ، أن يظل هذا العيب الذي قبلتها عليه ينغض عليَّ حياتي ويقض عليَّ مضجعي!
فهو يتصورُ أنه لو قبل زوجةً أقل بياضاً مما أراد! أو ليس قوامُها لوحةً فنيةً دقيقةً مثلما تمني ، أو عرفَ أن شعرَها ليس ذلك الأملس الطويل كيفما كان يروم ، فلربما شعر بالندم والتسرع علي اتخاذ خطوةٍ كان الأحري به ألا يتخذها
فهل يخالُ ذلك المسكين أنَّ زوجتَه مهما كانت جميلة فلن يشوب جمالُها شائبة؟؟ وهل يظنُّ أن ذلك النقص ، مسوغٌ كافٍ لأن ينظرَ لغيرها؟ أو لأن ينغِّصَ مثلُ ذلك عليه حياته؟ وهل الرجالُ الذين لايشكون ماينغِّصُ حياتهم مع زوجاتهم تزوجوا بنساءٍ فائقات الجمال؟ وليس في جمالهن نقص يذكر!! أم هو الرضي والقناعة ؟؟ والعشرة بالمعروف والحسني.
مصدر الرضي والقناعة
أيظن بعض الناس أن الرضي والقناعة ، يمتنع وجودهما إلا مع كثرة النعم وتنوع الماديات؟؟
ألا يفهمون أن القناعة والرضي برزق الله إنما ينبعان من داخل الإنسان ، ومن أعماق نفس تتسامي فوق الأشياء ، وتستعذب العذاب حباً في الله ، وليس لكثرة ما آتاها ، ولا لعظيم مارفلت فيه من النعيم ، فلو كان لابن آدم وادٍ من ذهب لتمني أن يكون له واديان كما قال الصادق المصدوق صلي الله عليه وسلم
وكم من رجلٍ رُزِقَ بأجمل النساء .. ثم إذا به يمدُّ بصرَه نحو من تفوقُها زوجتُه جَمالاً وحسباً ، وكم من رجلٍ تزوجَ امرأةً متواضعةَ الجمال ، فكان بها ومعها أسعد الناس وأهنأهم
ولو أنَّ الإنسانَ يرضي ويقنعُ لكثرة مايأتيه ، لما رضيَ من بني آدم أحد ، ولو كان المرءُ لاترضيه إلا زوجةٌ فائقة الجمال ، فإني أقسم أن مثل هذا لن يرضي أبداً .. ولن يملأ جوفه إلا التراب.
تذهبُ لرؤيتها وصورة أخري في مخيلتك ؟!
ومصدرُ ذلك البلاء المستشري أنَّ الشابَّ يحملُ في عقله اللاواعي –ولربما الواعي!!- صورةً مكتملةً لحسناءَ قد دغدغت بحسنِها خيالَه ، فجعلَ منها ميزاناً يزنُ عليه الأخريات ، ومرجعاً يقيس عليه كل من يراهن ، فهذه تحقق ثمانين بالمائة ، وأخرى لاتكاد تصل للنصف ، وثالثة تقترب من التسعين ، وهكذا .. فتظلُ عمليةُ الفرزِ جارية حتى يحقق بغيته!!
فإن لم يجدها قال: ابحثوا لي عن تلك التي في رأسي ..!! ولعله يكون قد شاهدها في إعلان تليفزيوني أو فيلم سينمائي .. ربما غضَّ بصرَهُ وقتها عنها ، لكنها لمَّا تفارقْ عقلَهُ بعد!!
أو لعله قد استرق النظر مرةً في الشارع أو في المواصلات أو في كذا وكذا ، فتمني أن يتزوج بفتاةٍ تجمعُ له الحسنيين !! التزام صاحبة الدين والخلق ، مع جمال وجاذبية وأناقة الأخري!!
ولو قال قائل: أريدُ شراءَ سيارةٍ تجمعُ من كل بستان زهرة .. بحيث تكونُ بقوة محرك المرسيدس ، وانسيابية الهوندا ، وفخامة الجاجوار ، وسعر اللادا .. لكان كلامُه مما تضحكُ منه الثكلي!! ولأجمعَ العقلاءُ علي سخافة مطلبه!
فكيف يطلبُه في إنسان؟
ماتسميه رؤية .. ليس أكثر من نظر لمجرد وجه .. بل لوجه مجرد!!
أليس من السخافة أن تذكرَ عدم وقوع القَبول الشكلي ، وأنت لم ترَ منها سوي وجهها وكفيها؟
بل الأسخفُ أن تذكرَ أنَّ القَبول منك إنما وقع لوقوع عينيك علي وجهها ، فماذا تفعلُ لو تزوجتها ، ثم بعد أن انكشف لك جسدها رأيت فيه مالايروقك؟؟ أتراك تعيدُها لأهلها؟
أم تظنُّ أنَّ جمالَ المرأةِ أو قبحَها محلُّه الوجه؟ وهل قال النبي صلي الله عليه وسلم: “إذا نظر لوجهها سرته” ، أم قال “إليها” فلربما كانت عادية الوجه ، لكنها بارعةٌ في فنون التجمل! و لربما كان جمالها كله محدوداً ضئيلاً ، لكنها تتمتعُ بجاذبية روح وخفة ظل تجعلُها أنيسة وحدة ، ورفيقة حياة
ألا تعلم أنه يزول ؟!
ثم ماذا لو أنك حصلت علي تلك الجميلة الصافية الرائقة الحسن .. ثم تغير جسدُها بعد الحمل والولادة ، أو أصابها حادث ، أو أصيبت بداءٍ أطفأ بريقها ، بل ماذا تفعلُ هيَ إن أصابَكَ أنتَ شئٌ من ذلك بعد زواجكما؟؟ كحادثٍ أقعدك أو مرضٍ أصابك أو تجارة انهارت؟ أو مصيبةٍ من مصائب الدنيا ممايبتلي به المؤمن في صحته أو ماله أو نفسه ..
أتراها تتخلي هي عنك لذات ماتتعللُ أنت أنه لو وجد فيها لكان سبباً لإدبارك عنها ؟؟
أنكون عوناً للشيطان عليهن ؟!
ماذا ستفعلُ -بربِّك- الفتاةُ التي رزقَها اللهُ جمالاً مادياً يمتنعُ أن تراهُ عين الخاطب من مثل جمال القوام ، أو البراعة في فنون وأدوات التجميل ، لكنها لم ترزق بذات النصيب من الجمال في وجهها؟ هل يفترضُ بها أن تعلنَ عن نفسها وأن تكشف عن جسدها بالملابس الكاشفة؟ حتي تلفتَ أنظار “المتدينين”!! الذين يرونها فيشيحونُ بوجوههم عنها!!
أولا تدركُ أنَّ تلك القطعة الضئيلة التي تراها منها لاتعبرُ إلا عن أقل من عشرة بالمائة من جمالها المادي !
هل تقبلُ أن تكون عوناً للشيطان عليها؟؟
هل تتصورُ مجردَ أن تحدثَ هي نفسَها بأنها لو كانت تظهرُ ماخفي عنك أيها الزاهد فيها ، والمدبر عنها كما تفعل الأخريات ، لكنتَ أنتَ أولَ الطالبين لها .. وعلي رأس المسارعينَ إليها ؟
وماذا عن الأخري ؟
ثم ماذا ستفعلُ الفتاةُ المسلمة التي لم يرزقها اللهُ تعالي نصيباً وافراً من الجمال المادي؟ هل كتبَ عليها ألا تتزوج لأن الشباب لايرضون سوي بالفاتنة ، بل كثيراً مايتركُ بعضُهم –إلا من رحم الله- صاحبة الدين ، ويلهثُ خلف فتاةٍ أعجبه حسنها ، ثم يتبجح بقوله: سوف أساعدها على التدين والالتزام
ولربما قال القائل: وماذنبي أنا أن أرضي بقليلة الجمال ، وقائل هذا القول يجهل أنه مامن امرأة إلا وفيها من الجمال والجاذبية مافيها ، وهل رأي أحدُهم إحدى (نجمات السينما!) لحظة استيقاظها من نومها؟! أو حين يصيبها مرض؟!
كيف ساغ له أن يحكم علي فتاةٍ تسترُ عنه أكثر مما تبدي؟؟
هل تؤمن حقاً بحور العين ؟
إذا كان هؤلاء الشباب من أدعياء التدين يؤمنون حقاً بالجنة وبما أعده الله فيها للمتقين ، ويعرفون أن جمال نساء الدنيا في الدنيا لن يبلغ عشر معشار جمالهن في الجنة ، فلماذا يستمسكُ هؤلاء بالذي يفني وهو خزف ، ولايتعلقون بالذي يبقي وهو ذهب؟!
أتظن يا أخي أنك إن تزوجت بفتاةٍ متواضعة الجمال فذاك نهاية المطاف؟؟ أولاتدري أن تلك الزوجةَ المسلمة ستكونُ أجمل الحور إذا كانت رفيقتك في الجنة؟!
قال أحدُ الفضلاء وهو يتحدث عن فتاة أحلامه: أريدُها صاحبةَ دين ، فلما سئل: وماتشترطُهُ في جمالها ؟؟ قال: دينُها سوف يوصلني إلى حور العين في الجنة
عدد عيوبك !!
وأخيراً وليس آخراً .. فأنت أيها الشاب المتدين الذي يبحث عن عروس .. لو وُجِدَ فيها كلُّ ذلك الذي تتصور اجتماعه وتركيبه في فتاةٍ واحدةٍ ، لبايعناها لإمامة المسلمين!!
فهلا عددت عيوبك؟ ووجوه نقصك ؟
أسألُك اللهَ أن تفعل