
إبقى معى
سيد عبد النبى محمد
الدنيا ليست بذاتِ معنى مع الوحدةِ والألمِ – وعندما يكونُ الإنسانُ وحيدًا مع نفسِه والآخرينِ يفقدُ كلَ ما يحسُ به من الحياةِ .
وعندما تكونُ الحياةِ كئيبةِ مملةِ مع البعضِ فإنهم يفقدونَ التوازنَ الكونىُ وتتغيرَ مفاهيمُ السعادةِ لديهم .
كنتُ أحُبُها وكانتّ هى كلُ أمنيتَى وبغيتَى الوحيدةِ وأملىَ فى دنيَا البشِر .
كانتّ سعادتَهُا تبدوَ جليةِ على تَصُرفَاِتها وحرَكَاِتها عندما نكونُ معاً وخاصةً عندَ الرفقةِ فى المختبرِ كانتّ زميلتىِ فىِ الكليةِ .
بدون مقدماتِ كانتّ تُحُبنى فى صمتِ وتهوانِى بخوفِ وتتلقفنِى فى بهجةِ وتَعِشُقنِى بحذرِ.
بريقُ عينِيها المختبئُ خلفَ أهدابِها السوداءِ يفضُحَها ويعلنُ بقوةِ أهواكَ .
نظراتُها الحانيةُ وإبتسامتُها المكسوُة بالخجلِ تشيُر الى أنَ مسًا منَ جنونِ الحبِ قد أصابَهَا .
كلُ الزملاءِ كانوا يحترمونَ علاقُتَنا وكانوا يُدِركونَ أنَ الزواجَ سوفَ يكونُ الملاذُ الأخيرُ لنا .
كانت تغمرنى كوامن الخوف والجذع أحس بإنقباضة تهز كيانى وشئ من الرهبة تكسونى ولا أدرى سببا لما أستشعرة وأعانية .
رضيت بأن أتكوم على نفسى وأنا أراها أمامى طائر يغرد بدون حذر تعرض أجمل ما فيها من رقة وجمال .
مرت أيامنا بالدراسة جميلة وهادئة نقضيها بسعادة وأحسست بطعم الحياة المكسو بالخيال والأمل .
إنتويت أن أتقدم لها وكانت سنتنا النهائية بالكلية توشك على الإنتهاء ورحبت وأنتقلنا من مرحلة الحب الى دنيا العشق وبدأنا فى رسم مستقبلنا وتحقيق أمانينا .
واختلفنا فى عدد الأولاد أنا لا أكتفى بطفلين وهى تغمرنى بضحكة ونظرة حانية ومتعجبة .
كنت أخاطبها أنا سي السيد والبس أمامها طربوشى المائل كلمتى واحدة ومش هاتنزل الأرض زى عبد الفتاح القصرى .
جرت بنا الدنيا وأوشكنا على مرحلة الإنتهاء من الدراسة بالجامعة .
تكرر مرات غيابها – كانت تحشانى وتخشانى وتتعمد ألا ترانى أو تتحدث إلى وأنطفأ بريق عينيها داخلها كانت تبكى بحرقة وتتألم بعنف وتترجانى بشفقة .
علمت أنها قد خطبت وأن أهلها باركوا لها هذه الخطبة وأنها قاومت وأمتنعت وما زالت ترفض .
ذهبت اليها وأتت إلى ، كانت سميرة تحبنى وكنت أتمناها طلبت منها أن نضع حدا وقلت لها أنا مستعد أنا أذهب الى الوالد – قالت يعرفون عنا كل شئ .
قلت : ماذا يعرفون عنى قالت : يعرفون أنك لا تصلح لى .
شعرت أن القدر يخبئ لى ما لم أكن أتمناه وأنه فى أول إختبار لى إختطف أعز ما أملك .
تفرقت بنا السنوات ومرت بى رتيبة مملة وكرهت نفسى وتكورت بداخلى هربا من الناس .
أنام ليلى وحيدا تؤرقنى الظنون وأبكى داخلى فى نشوى وخوف يعتصرنى ألم الفراق .
أدور فى شقتى الصغيرة ليلا أبحث عنها ربما هى داخل إحدى الحجرات وأستقر داخل حجرة نومى الباردة حيث كانت سميرة تطاردنى كل ليلة .
كنت أشعر أنها تشاركنى وحدتى ووسادتى ويدها تمسح دموعى من تحت عينى وأنين السنين فوق شفتى .
كانت تعتصرنى فى شوق وتقبلنى فى رغبة وتتكلم معى بحنين وتهدهدنى ويكسو وجهها السعادة الغامرة .
أحببتها وعشت معها رغم حروف الزمن وقوانين الطبيعة وفلسفات المنطق .
كنت أذهب الى عملى متأخرا وأرفع سماعة التليفون لأطمأن عليها وعندما يسألنى البعض أخبرهم بأنى متزوج من سميرة وأنها تشاركنى وحدتى وبيتى .
أشاع البعض بأن مسا من الجنون أصابنى – قاطعت الجميع رغم علمى بأنهم يشفقون على ويحزنون لأجلى لأنهم يتهموننى بالجنون .
دارت الأيام ولم يمهلنى القدر بل عاجلنى بمرض ألم بى وكم كنت أذهب الى عملى متحاملا ذليلا .
نصحنى الأطباء بعدم العيش وحيدا فى شقتى – أخبرتهم بأن سميرة معى تقابانى عند العودة تجهز لى طعام الغداء وتمد لى يدها بالدواء ، تحرص على راحتى وتطمأن على وتسهر معى وقبل أن تذهب تغطينى وتقبل جبهتى وتقفل على باب غرفتى ووحدتى .
كانت سميرة بمثابة الإنسان الوحيد الذى يعيش معى بعد أن هجرت الناس جميعا .
أكد لى الطبيب أن مرضى خطير وسوف تتصاعد الأعراض وتسبب لى الكثير من المتاعب .
كانت الأيام التى لا تزورنى فيها سميرة مرة وكئيبة تحاصرنى فيها الالآم طوال الليل.
يراودنى يقين أن نهايتى باتت وشيكة وأن الأطباء حولى يدركون هذه الحقيقة .
قال الطبيب لابد وأن تأخذ الدواء – يتأملنى مرددا فى نبرة يشوبها القلق .
– كنت تتبع تعليماتى بدقة فماذا حدث ؟
– قلت – لا أريد مسكنات .
علب الدواء بكل مكان حولى وعلى سريري .
– يسألنى مندهشا كيف تحتمل الألم ؟
– ومن قال إننى أحتمله – إنه يفتتنى كل ليلة .
– يقول لى قد يريحك المسكن قليلا .
– قلت له : كل مسكنات العالم لن تريحنى ولو للحظة – وكل إكتشافات الطب لا تفيدنى – إتركنى أواجه الألم لوحدى .
– ولماذا تتعامل معى وأنت تعلم كل هذا ؟ أنت من فعل هذا لك – أنت الذى يريد أن يضع حدا لحياتة ويستعجل نهايته .
– أسألة هل نهايتى باتت وشيكة ؟
يهرب من عيونى المتسائلة ويبادرنى .
– لازم تاخد الدواء والمسكنات ليس لك علاج إلا المسكنات والإرادة فى البقاء
– ولماذا أعيش ؟
– الحياة والموت ليستأ بإرادة الإنسان وإنما بترتيب من الرحمن .
– أنا أستعجل نهايتى – لماذا تمنعنى من حقى .
– نهايتك ليست من حقك هل كانت لك إرادة عند ولادتك ؟
– سألنى وهو يعرف الإجابة فَّي حد معاك بالبيت ؟
أجبتة بنعم حيث توجد بالغرفة المجاورة سميرتى وهى حاليا تجهز الطعام .
أبصرتة مستغربا وقد كرر السؤال نفسة .
– هو فى حد تانى معاك فى البيت ؟
– أجبتة ورفعت صوتى مناديا سميرتى التى لم ترد .
مرت أيامى ثقيلة مملة وأنا أنتظر أو أترقب نهايتى رفعت هاتفى بحذر وبيدى الخجلى ولأول مرة أطلب نمرتها.
جاءنى صوتها مذهولا — لا أصدق – أأنت حقا بعد كل هذا العمر – أنت حقا والليلة تصور منذ أيام وأنا أفكر فيك – كنت هاأتصل بيك علشان عارفة إن بكره الثلاثاء هو عيد ميلادك – لا أصدق توقيت المكالمة .
قلت لها أرجوك لا تضيعى الوقت تعالى بقالك يومين وإنت غايبة .
تسألنى يومين بس من عشرين سنه مشفناش بعض .
قلت لها تعالى أرجوك أريد أن أراك الليله لا تتأخرى .
هاهى تطرق الباب – أتحامل على جسى المنهك زاحفا الى الصالة العتيقة أفتحة بترنح سميرة أمامى .
بين خيوط الذكريات الذابلة تطالبنى سميرة بحقها فى الفهم.
قلت لها شكرا لأنك جئت إلى – لا تسألينى عن أي شئ – فقط كونى معى الليلة – أرجوك الليلة فقط فهذا ثلاثائى.
قالت الليلة وكل ليلة لم يعد هناك ما يفرق بيننا – ممكن أن نبدأ حياتنا من جديد وكما نريد – أيا كان مرضك سوف تشفى عن قريب.
سأكون معك ولن أتركك أبدا ولو للحظة من الآن انت مليكى عشقى الأزلى .
لم أعد أحتمل ما أسمعة ولم أكن أتوقع وأنا الذى كان يتمنى موتى أن أتمنى الحياة تناقد غريب ولم أكن أتوقع وأنا الذى عاش عمرة كلة إنتظارا لهذة اللحظة التى نسمح فيها بالوصال المحال.
كم ألمنى الحرمان منها والآن ما أشد ألمى عندما أصبحت سميرة لى .
إقتربت منى مرددة لم أحب سواك طول عمرى أنت الرجل الوحيد الذى كنت أتمناة
أهمس لها : أعذرينى يا حبيبة عمرى جئتك متأخرا.
تسكن لحظة ثم تقترب منى أراك اليوم أجمل الرجال وهتفت فى نشوة أحبك .
أخاطبها وقد علقت كلماتى داخلى – أفتديت حبى بعمرى ما أهونه من ثمن
يأتينى صوتها : حبيبى مالك !
طلبت منها أن تحتوينى فى صدرها وأن تتحملنى فى لحظتى الأخيرة .
أتحامل على نفسى – جسدى الهزيل المترنح بقسوة الزمن وكوامن الألم
أريد أن أتنفسك – أن أعيش معك بأشواق ذمن لم يأتى .
أستشعر أن روحى تنفلت منى تنسحب من جسدى أتشبث بيديها أحتضنها فى خوف كطفل صغير لا يريد فراق الأم .
روحى تريد أن تغادرنى تتسلق أضلعى لترحل – يغمرنى أنين الرحيل القابع فى جسدى .
أتحاشى عينيها المتوسلتين لى بالبقاء .
تبكينى بحرقة وأبكيها بألم لقد حانت لحظة الرحيل التى كانت تراودنى من قديم .
– أرجوك لا تهرب منى لا تتركنى لوحدى .
– أترنح بين زراعيها مرددا سميرة إبقى معى .
سيد عبد النبى محمد