روايات و قصص

إنّهم يُخفون شيئاً \ مقدمة لابد منها

الحلقة الأولى \ نافذ سمان

                                              إنهم يخفون شيئاً

                                                   نافذ سمان

                                                 الحلقة الأولى

                                                مقدمة لابد منها

 

 

هل خطر لكَ ذات يوم أن تقترب من ذلك المجهول الهائل ، الذي هو وبكلّ بساطة (داخلك )، و تحاول أن تمعن النظر إلى تلك الهوّة العميقة التي تمتد من ذاكرتك ، حافرة إيّاك بعشوائيّة إلى بصرك و بصيرتك ؟

أن تتأمل  ذلك الثقب الأسود ، صاحب المواهب الفطريّة بامتصاص و حفظ  كلّ تلك التأثيرات ، و العلاقات ، و التجارب التي تعيش ؟

هل سألتَ نفسكَ ذات مرّة ، و من ذاك الغريب الذي يقفز من داخلي كلما غضبت ، أو فرحت ، أو عشقت ؟

من ذلك البعبع الذي يصدر أصواتاً لم أعتد أن أصدرها ؟ و يرمي بكلمات لم أعتد أن أقولها؟ و يبدي كلّ تلك القوة الكامنة التي كانت مسجونة هناك ، في الأعماق ؟

و ما مصدر ذاك البركان المُتفجّر داخل حواسنا ؟ و من أين تتغذى حممه التي يفاجئنا انهمارها على كثرتها ، و عنفها ؟

هل أحصيت يوماً عدد الأسئلة التي حفرت داخلك بإلحاح ؟ و ربما طرحت بعضها على غيرك ، مُورّطا إياه ، و كانت إجابتك و إجابته ( لا أدري ! )؟

هل حاولتَ أن تتعرّف عن قرب على تلك الأسئلة التي تخطف لونك كلما خطر لها أن تنهال على يقينك بصراحتها الجارحة، فتحاورها ؟ أم تفعل كالأغلبيّة التي تتعوّذ من استيقاظ العقل ، و تركز جهدها للإجابة على أسئلة من نوع آخر ، من شاكلة ( ماذا سنأكلّ اليوم ؟ و أي البدل التي تليق أكثر ؟ )

هل تعتقد أنك تستطيع أن تتابع حياتك على نفس النسق الذي أوصلك إلى هنا إن استطعت الإجابة يوماً عن تلك الأسئلة المُلحّة ؟ أو حتى عن أحدها ؟ أم أن لعنة الإجابة ، إن وُجدَت تلك الإجابة ، ستلاحقك و ستقضّ مضجعك و تؤلمك ، لدرجة ترى أن عذابك في إيجاد تلك الإجابة ، هو لا شيء ، إذا ما قارنته بعذابك بعدها ؟

إنها أسئلة قضّت مضجعي و افترست يقيني بعد أن سخّفت بديهيات بنيتُ عليها كلّ معارفي .

قالوا لي أنها لعنة قديمة اعتادت على أن تستفيق كلّ حين ، لتصطفي من تختطفه ، و تطبع على رؤوس الباقين حكمتها الأزلية : ( نعوذ بالله من سُبات العقل )   [1]

افتح لي صدرك ، و سأرمي تلك الوحوش بوجهك ، علك تجد راحة لم أجدها بعد .

 

 

 

 

                                                           البداية

 

 

 

                 // كيف هويتَ من السماء أيّها المنير يا ابن  السماء يا قاهر الأمم . //

                                                                                       أشعيا

 

 

 

انفلتت أمّ أغيد من اغفاءتها على الأريكة ، كان هنالك نورٌ باهرٌ يتسلل ليستولي على الصالة الكبيرة ، أغمضت عينيها مرّتين قبل أن تزحف ببصرها إلى الحائط الذي توسطته ساعة ببندول طويل ، كانت الساعة تتجاوز مُنتصف الليل بأشواط . رمت أمّ أغيد عنها الغطاء الخفيف ، و تثاقلت نَعِسة نحو النافذة التي اتخذها النور قاعدة للهجوم نحو بيتها ، الذي يتوسّط حقل من أشجار الحور الطويلة ، و سرعان ما غمر وجه أمّ أغيد النور .

فشلت المرأة السبعينيّة – رغم الجهود المُضاعفة التي بذلتها – في التقاط تفصيلٍ ما ، كانت حيرتها تمنعها حتى من تذكر صلاة ما أو آية قرآنيّة يُمكن أن تفسّر لها ما يجري . لثوان ، بدأ النور المُبهر يتأرجح ، و بدا أنه سيخفت .

خاطرٌ ما جعل أمّ أغيد تهرولُ خارجة من الصالة بتثاقل ، زاحفة فوق الدرج المودي إلى سطح البيت .

يبس حلق أمّ أغيد و هي ترى النور قد استحوذ على وسط السماء ، و بدأت شفاهها ترتجف بأدعية ما . رفعت يديها إلى السماء . و سرعان ما خطر لها ابنها المُغترب في دمشق العاصمة ، فتذكرته ببعض الأدعية التي سوف تحمل له عروساً نظيفة السيرة و السريرة . ثوان ، و بدأت الظلال تتضح على أرض السطح ، و بدأ النور يتأرجح ، ثم ، و على وقع نغمات غريبة ، بدأ ذلك النور يخفت و يتبخّر صاعداً ، حتى اختفى بصمت مريب .

تعَبٌ خدِرٌ أصاب أمّ أغيد التي جثت على ركبتيها و هي ما تزال تطنّ بأدعية و صلوات .

لمعت برأسها فكرة ، فسارعت بهبوط الدرج و هي تنوي شيئاً .

 

[1] من أقوال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب

 

لمتابعة الحلقة الثانية https://www.sohbanews.com/إنّهم-يُخفون-شيئاً-نافذ-سمان-2/

اظهر المزيد

نافذ سمان

كاتب وروائي سوري الأصل يقيم في النرويج له خمس أعمال منفردة ( مجموعة قصصية ،ثلاث روايات وديوان نثري ) إضافة لثلاث كتب جماعية. له عديد المساهمات في المنظمات الانسانية والتربوية. كاتب مقالات رأي وصحفي في العديد من الصحف والصفحات العربية والنرويجية. صحفي لدى جريدة فيورنجن النرويجية.درس الصحة النفسية للطفل لدى جامعة هارفرد 2017. مجاز ليسانس في الحقوق 1999 وعمل كرئيس لقسم الجباية في سوريا لحوالي 11 عاماً.
شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى