أمّة تُحارب الفرح

تأتي أعياد الميلاد المجيدة، وأعياد رأس السنة، لتستغلها شعوب الأرض كفرصة للفرح والراحة، والخروج من أعباء الحياة المادية. وهذا الشيء الذي يتوافق مع طبيعة الأعياد، و الغاية المرجوة منها. حيث وجدت الأعياد كفرصة لاقتناص لحظات من الفرح وشحذ الروح بالسعادة والرضا، سواء بممارسات دينية روحية، أو أخرى تقليدية جسدية أو فكرية.
كان كلّ ما سبق ينطبق على شعوب الكون المحيط بنا، إلا أنه و بلا شك لا ينطبق أبداً على الثقب الأسود الذي نعيش فيه، و يعيش فينا. حيث تأتي هذه الأعياد لتزيدنا حدّة، لتزيدنا عدوانية، لنعاود شحذ سكاكيننا ونعاود هواية التقسيم، بل ربما، حرفة التقسيم التي نجيد ونبرع وما مللنا منها قط.
تأتي الأعياد المجيدة، لننبري بنخوتنا المزاجية لنحارب الآخرين حتى بأعيادهم، لنكره حتى أعياد الآخرين ، فنطلق ونردد بسذاجة متناهية فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان.
لننكر على الآخرين فرحهم، بل ولننكر حتى أمانينا بأن يفرحوا، و لنعاود هوايتنا العتيدة بقتل الفرح، أنّى كان، و طبعا لا ننسى أن نبرر لأنفسنا بحجج خرقاء، فنحن نفعل ذلك لأننا متميزون، موحدون، متماسكون، وننسى أو نتناسى معاركنا مع ذواتنا، واختلافاتنا غير الخافية على أحد، وصراعاتنا حتى على طقوسنا ومقدساتنا.
فنحن وبكل بساطة نخترع المناسبات لنختلف عليها، بداية رمضان، أول عيد الفطر، ليلة القدر، ليلة النصف من شعبان، الإسراء والمعراج، عاشوراء، المولد النبوي، وعيد رأس السنة الهجرية.
نعم، نحن لم نختلف يومًا على المناسبات السابقة، ولم نتراشق بالتهم وبالتكفير أبدًاً، و حتى لو، فنحن اختلافنا رحمة، أما اختلاف الآخرين فهو مصيبة.
نتناسى قول صاحب الخلق العظيم حين قال ( تبسمك في وجه أخيك صدقة ) ونعتقد أن الله يسمح للوثنيين أن يُشركوا به، ويعذبوا أوليائه، ويقتلوا أنبيائه، ولكنه يغضب حتمًا إن باركنا بأعياد الأمم الأخرى.
نحن وببساطة نخشى على بنياننا المرصوص من الزوال إن رسمنا على وجوه أخوتنا بالوطن السعادة.
نخشى على زوال أمتنا إن نحن باركنا لهم فرحهم وأعيادهم.
نحن وببساطة أمة شفافة رقيقة، تخشى على نفسها من الفرح، وحتى من تمني الفرح، بل حتى من مباركة الفرح لأحد.