أبطالٌ على الورق!

بقلم: حسام الدين عوض
هل عرفت إنساناً مهما بلغ من قوة الشكيمة ، ومضاء العزم والعزيمة ، وشدة البأس وصلابة الشوكة .. بيد أنه لم يتعثر ساعةً؟! ولم تختلج نفسه -يوماً أو بعض يومٍ- كبوة ضعفٍ أو زلة هزيمة ومذلة انكسار؟؟
لاتجهد عقلك وأنت تكلفه عناء الارتحال في طرقات التاريخ الوعرة بحثاً عن إجابة ذلك السؤال غير العضال .. فذلك البطل المتوهم غير موجود ..
اللهم إلا على شاشات السينما الأميريكية .. التي حين ملت ماكيناتها من استنساخ خلايا بشرية لاتغشى أصحابها لحظات الضعف البشري ولايعتريهم مايعتري الناس من التردد والتحير والتحيز للحياة والارتياب من الموت .. وحين كسد شباك تذاكر أبطالهم الاصطناعيين .. قرروا أن يصنعوا أبطالاً من الصفيح برقاقات إلكترونية .. ويوم قالوا: من أشد منا قوة! .. اختلقوا على شاشاتهم معارك مع سكان الفضاء الذين جاءوا لمنازلة جيوشهم بينما أنابهم باقي سكان الكوكب للاضطلاع بمهمة الدفاع عنه .. كقول الشاعر: أسماء مملكة في غير موضعها *** كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد ..!!
ثم فوق منابر الوعاظ وفي مجالس الكهان ممن جعلوا كل شئ في حياة الناس حراماً! فهان على الناس الحرام! واختلقوا روايات عن صالحين لاتعرف عيونهم النوم بالليل ، ولابطونهم الشبع بالنهار ، وتعاف نفوسهم سائر الشهوات والملذات والملهيات وكأنما هم فئة مصطفاة من الملائكة المقربين أو الأنبياء المرسلين ، بينما كان مبلغ العلم عند المؤمنين ، ومبعث العجب في نفوس المشركين .. أن محمداً صلى الله عليه وسلم بشر ، يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ..
وأخيراً وليس آخراً .. بين أروقة صفحات الأدباء الحالمة .. ممن يسدلون الستائر في قصص الحب التقليدية المنحولة حين ينفلق المشهد الذي يجمع الحبيبين وهما يحضران الصلاة الجنائزية! غير الكئيبة ، والقس بين يديهما يأخذ عليهما المواثيق ، ويتمتم بكلمات لايشاركه معرفة مافيها من دجل ووجل سوى الحضور من المتزوجين! وحين تلقي العروس المنتشية بباقة الزهور نحو صديقاتها العزباوات ، وبينما هن يتسارعن لالتقاطها .. يمنين النفس أن تتسارع اللحظات حتى يكن هن بطلات ذلك العرض المسرحي المبتذل ..
لقد تميز منهج الإسلام عن سائر المناهج الوضعية والفلسفات الأرضية .. بأنه منهج واقعي لايقيم معركة ولا يصطنع جلبة بين الروح والجسد .. منهج لايصادم الفطرة ، ولا يتجاوز قوانين الفيزياء! خلافاً لمن اشتط به فهمه ، وجمح به هوسُه لحد جعل الرب قد ”صار لعنة لأجلنا ، فافتدانا بذلك من لعنة الناموس“!! ثم زجراً وتأديباً لمن زعموا أن الأنبياء يشربون الخمر ويأتون من الفواحش مايأباه على أنفسهم أصحاب الضمائر غير المسترخية .. رغبة منهم في جذب العوام نحو المعابد ، ومنحهم الأمل في رحمة الرحيم الرحمن فكان ذلك من أنماط الثمن القليل الذي شروه واشتروا به آيات الله ..
لكل هذا ولغيره .. قررت ألا أكون كـ “دون كيشوت” الذي حارب طواحين الهواء! أو كـ “كارل ماركس” الذي نزف قلمه رغبة في إيجاد عالم يسوده العدل وهو لايعتقد في وجود عادل! قررت ألا أتنكب سيرة ذلك البطل المغوار الذي لايشق له غبار ، ولا مسيرة ذلك الزاهد المتنسك الذي ليس في قلبه مكان سوى لصومعته وليس فيها مكان سوى له ..
قررتُ ألا أكون بطلاً مصطنعاً على الورق! أو مصنوعاً ولو مما سوى الورق!
قررتُ ببساطة .. أن أكون أنا هو أنا ..!
ذلك الذي حين زلزله قوله تعالى: “اتقوا الله حق تقاته” ..
وجدَ ضالته في قوله:” فاتقوا الله مااستطعتم” ..
وحين غشيَهُ قوله تعالى: “من يعمل سوءاً يجز به ..” ..
عزَّى نفسه بقوله:”ذلك جزيناهم بما كفروا” ..
وحين أرقه وسهده قوله تعالى: “أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب ..” ..
هدأت نفسه وقرت عينه وهو يردد قوله: “مايفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكراً عليماً” ..
صدق الله العظيم